OrBinah

(EN ARABE) Du libido et de la morphologie des dévots au Paradis

Si la graphie arabe ne s'affiche pas correctement, aller  dans  la barre de menu en haut de la page, cliquer sur le bouton AFFICHAGE puis sur CODAGE, puis sur (PLUS, puis sur ARABE(Windows)

 

                                      مساءلة البداهة7-



                عن ليبيدو ومورفولوجيا الأبرار في الجنة

 

محمد المدلاوي المنبهي  

 

 

في الوقت الذي يستمر فيه بعضُ بني الإنسان المستخلفِ في الأرض في اكتشاف مجاهل ما استخلفوا فيه، عابرين ونافذين بقوة سلطانِ العقل في أقطار السماوات والأرض من متناهيات الكبـَر، ومتعمقين في الأبعاد اللانهائية الصغر لعالمَي الطبيعة والانسان، يعود البعض الآخر، في ثقافات أخرى، إلى المناظرة والاجتهاد حول تحديد إحداثيات الجنة، ووصف جغرافيتها، وسوسيولوجيا الأبرار فيها، وسيكولوجيا ومورفولوجيا المخلوقات فيها، على منهج ابن القيم الجوزية وبقية أدبيات "دقائق الأخبار في ذكر الجنة والنار". منهج الرهط الأول هو الاستقراءُ ومعاينة ما هو في متناول إحساس الحواس وإدراك العقل، ثم إقامةُ نظريات تفسيرية افتراضية ذات قدرة على التوقـّع، وقابلة للدحض في مقابلتها بتقلب أوجه المعطيات. أما منهج الرهط الثاني فهو تأويلُ كلام الغيب اعتمادا على ما لا نهاية له مما تسمح به أساليب البلاغة من بيان ومعاني وبديع، من انتقال من قضية إلى أخرى في استقلال عن إكراهات أيّ واقعية، وعلى جعلِ آليات المنطق في خدمة أساليب البيان.

فتحت عنوان صدامي مستفز بصفحتها الأولى يقول: "لا جنس في الجنة؛ الأعضاء التناسلية ستختفي في الجنة"، خصصت  أسبوعية "الحياة الأسبوعية" عددها 437 لملف الحياة الجنسية في الجنة، وقدمت من خلاله لجمهور قراءها وجبة تثقيـفية في عز الصيف وعشية  رمضان، تلخيصا لأفكار ثلاثيّ من المفكرين الفاعلين في محيطهم، حول هذا الهم الحضاري الاستخلافي، والسؤالِ "العلمي" العظيم، سؤال: هل الحُور العَين نساءٌ للمتعة الجنسية، كجزاء للمسلمين في الجنة، أم هنّ مجرد كائنات بلاستيكية للأنس ولاستئناس أو ما يسميه المغاربة "الوناسة" أو "الزّهو"؟.

من هؤلاء الثلاثة فقيهٌ بارز،هو الشيخ الزمزمي، الذي عُرف من خلال حواراته الصحفية بـ"ليبراليته" الحداثية فيما يتعلق بأساليب وأوضاع الجماع الشرعي، والذي يتشبث في النوازل بنصوص التنزيل، ويقتصد في التأويل، فلا يستعمل آلية المنطق إلا بما يخدم تشبثه بصريح النص أو بتأويل من تآويله حسب الأحوال على منهج الفقهاء، الذين يعتبرون المنطق علم آلة لا علم غاية. فهو، إذ يؤكد مثلا "بأن الجنة من عالـَم الغيب، وليس من عالـَم المحسوس الذي يمكن أن نتصوره ونتكلم عنه"، يعود مع ذلك فيؤكد في كلامه عن الجنة بأن القول "بأنه لا وجود للحور العين في الجنة، أو أنهن لسن للمتعة الجنسية وأن الانسان في الجنة ليست له أعضاء تناسلية، فهذا هراء وكلام فارغ". حجته الأصولية هي أن "النصوص الواردة في وصف الجنة، من نصوص قرآنية أو نصوص نبوية، لا تحتمل الاجتهاد والتأويل؛ لأن الاجتهاد والتأويل [إنما] يمكن في الأحكام المعروفةِ عللـُها وحِـكـَـمها". أما حجته المنطقية فهي أن القول بأن أهل الجنة تختفي أعضاؤهم التناسلية، "معناه منطقيا أن أهل الجنة يصبحون معوقين ومحرومين من إحدى نعم الدنيا، وهي ممارسة الجنس؛ فالأمر هنا سيصبح عقابا... فإذا كانت هذه الشهوة المفضلة سيحرم منها الإنسان في الجنة، فهذه الجنة لا يرغب فيها أحد".

 وفي ختام رده على المشكـِّكـين في جزمه  باستمرارية خصلة الفحولة في الجنة ("فالمؤمن الذي سيدخل الجنة هو أول من سيستمتع بأولئك الحور ولن يسبقه إليهن أحد")، وفي التفاتة منه إلى مفعول "مدونة الأسرة" على العقليات، لم يفت الفقيه أن يخفـّف من مشاعر الغبن لدى المتسائلات من الأخوات المسلمات في هذا الباب ويطمئنهن بأن لهن نصيبهن من شبقية الجنس في الجنة، التي "ليس فيها تشريع ولا تكليف" حسب قوله: "فللمرأة كذلك ما تشتهي؛ فللرجل المسلم 72 من الحور العين، وكذلك العدد بالنسبة للمرأة". وبالرغم من شدة تشبثه بالنص في عموم المسألة، فإنه لم يسند بشراه في التعادلية الجنسية هذه بنص لا من القرآن ولا من السنة. بل زاد مقدّما تعليلات بلاغية لسكوت التنزيل عن بشارته من قبيل مراعاة العزيز الحكيم لسيكولوجية النساء ولآداب المقام،حيث فقال "من طبيعة النساء الحياءُ؛ ولهذا فإن الله عز وجل لا يشوقهن بما يستحيــين منه"؛ وبذلك يكون الفقيه قد شرّع لنفسه تشويقهن بعد أربعة عشر قرنا بما يدعي بأن التنزيل قد تحرج من التصريح به عند النزول.

هذا منهج الفقيه، وليس فيه جديد. إنه بناءٌ لـ"الرأي" على نصوص تكون في إجمالها متعارضة الأحكام لغويا حول نفس الموضوع، ومتفاوتة درجات الراجح والمرجوح أصوليا (تنزيل ناسخ أو منسوخ؛ حديث صحيح، ضعيف، موضوع، الخ.) وقابلة من حيث اللغة في تداخلها مع المصالح لمختلف تأويلات البيان (مجاز، تشبيه، استعارة، كناية) والمعاني (الوصل والفصل، والمسوّرات من كلـّية وبعضية، وتقييد وإطلاق، الخ.) في إطار عموميات مختارة من مدارس الأصول والمقاصد، وأخيرا باستعمال بعض شكليات آلة "المنطق" من حين لآخر (قياس، استنتاج) لإضفاء مظهر التماسك على الانتقال من مقدماتٍ مؤسسة على علاقات البيان البلاغي إلى نتائج يفرضها المنطق حينئذ بعد التسليم بتلك المقدمات.

وكان رد الشيخ موجها إلى من يتهمهم بـ"المفكرين العقلانيين"، ومنهم فيلسوفُ "نقد العقل العربي"، المرحوم محمد عابد الجابري، الذي اعتمد مع ذلك في المسألة نفسَ منهج التأويل البياني للمفسرين. فقد بدأ بقوله بأن "المرجع الوحيد في هذه المسائل الغيبية، التي لا مجال للعقل فيها ... هو ما يقوله علاّم الغيوب في الذكر الحكيم" (انظر هـــنـــا)؛ ثم انبرى يستشهد من الآيات القرآنية بأكثر مما أورده الفقيه. وبعد ذلك أعطى تعريفا حربيا لفعل "الاستشهاد" الجهادي (التمييز بين الدفاع والهجوم، وبين المدنيين والمحاربين) تمهيدا للحديث عما ينتظر المستشهد من ثواب، ليخلص إلى "أن التواب والعقاب [إنما] يكونان بعد قيام الساعة وبعد النشر، فالحشر، فالحساب. أما قبل ذلك فأجسام الموتى تبقى في جوف الأرض من زمن موتهم إلى قيام الساعة، خلافا لما يعتقده الشباب الانتحاري الذي يعتقد بأنه سيجد نفسه مباشرة بعد العملية بين أحضان الأولى من 72 حورية". بل يزيد الفيلسوف تثبيطا لعزائم "الاستشهاديين" أو "الانتحاريين" حسب التقدير حينما يخلص بشأن الحور العين في الجنة، إلى أن "الأمر لا يتعلق بفتيات من جسم ولحم كما في الدنيا، وإنما ذلك مجاز وتمثيل بقصد الترغيب". أنها "فلسفة عربية" معاصرة بأدوات فقهية، كما عُرفت بذلك الفلسفة في تاريخ الإسلام. فالجابري لم يوضح ما إذا كان العقل، أم النقل، أم الإشراقات العرفانية ،هو مصدر توقيته لبداية برنامج التواب والعقاب حسب خريطة الطريق التي سطرها. فأهل النقل، المنطقيون مع أنفسهم في تماسك في هذا الباب، ومنهم الفقيه الهوزالي في "بحر الدموع  يقولون أنه بمجرد أن يتوفَّـق المحسنُ في ديناه في مرحلة سؤال القبر، يوسّع عليه نـَكيرُ ومنكـرُ القبرَ، ويفتحان له نافذة نحو الجنة ليرى، في لقطة أولية، ما ينتظره من نعيم، ثم ينام معطـَّرا نِـيـمةَ العريس في انتظار يوم الحساب؛ ويكون نقيض ذلك بالنسبة للمسيء، الذي يشرع الملكان الأسودان في ضربه بقضبان من حديد حتى يصير رمادا فيعاد إحياؤه، ثم يفتحان له نافذة نحو الجحيم ليرى ماذا ينتظره من عذاب، ثم يضيق عليه القبر إلى أن تتكسر أضلعه، فيبقى كذلك يتهيب يوم الحساب سنين عددا.   

وكان ممن رد عليهم الشيخ الزمزمي، على الخصوص، خبيرُ الفكر الاستراتيجي، والمفكر الإسلامي السعودي، أنور بن ماجد عشقي، صاحب نظرية "إخصاءِ وجَـبِّ أهلِ الجنة" التي أشار إليها الفقيه بما يترتب عنها من مجرد وظيفة استئناسية للحورالعين، اللواتي وإن اعترف لهن الخبيرُ بالجسدية من جسم ولحم خلافا للفيلسوف، فقد جعلهن عبارة عن دُمىً مَرداءَ بلا فروج، أمام دُمىً ملتحية بلا ذكور، أي مجرد عناصر معرض فني للجمال البلاستيكي قصد التأمل الاستطيقي الافلاطوني (انظر ردا مباشرا عليه من طرف فقيه سعودي أخر يؤمن بحسية الجنس في الجنة، هـــنـــا). وقد كان من بين ما دفعه إلى بناء هذه النظرية الفمورفو-انثروبولوجية الأخروية كما صرح بذلك "استغلالُ الإرهابيين للشباب من المراهقين، والإيحاء لهم أنهم إذا قاموا بعملية انتحارية، وقتلوا ودمروا، فإنهم يصبحون شهداء، وحالَ موتهم تستقبلهم الحور العين في الجنة". هذا إذن "منهج استراتيجي" في تفسير التنزيل، يضاف إلى بقية المناهج من ظاهرية، تأويلية بيانية، وباطنية عرفانية، ورقمولوجية قبالية مسماة بالإعجاز العلمي للقرآن (انظر هــــنـــا)، والغاية من ذلك المنهج هي تجفيف منابع الدوافع السيوكولوجية المحركة لسلوك الانتحار المؤدَّى عنه بعد الإنجاز في الآخرة الآجلة، وذلك بتحويل مرامي نزوعات  الشبق والليبيدو المكبوت في الدنيا العاجلة لدى جحافل شباب القحط العاطفي والمجاعة الجنسية إلى وجهات أخرى غير مفاتن نعيم الآخرة؛ وذلك بالتوجه مثلا "إلى أكادير بدلَ الأندلس للجهاد بطريقة خاصة"، على حد تعبير إحدى شخصيات المسلسل الرمضاني الجديد "بوقتادة وبونبيل" لقناة "الوطن" الكويتية. وثمن ذلك التحويل الاستراتيجي هو اللجوء مرة أخرى إلى أساليب البيان لتعطيل المعنى اللغوي الصريح للنصوص المتعلقة بالحور العين، مع زيادة "تقليعة" تيئيسية جريئة، ليست بعيدة عن الداروينية التي من توقعاتها اختفاء العضو لدى الكائن عند اختفاء الحاجة إليه، وتتعلق بمورلوجيا الإنسان في الجنة المترفعة نعمُها حسب الخبير عن الممارسات الجنسية:  إنها مرفولوجيا "رجال" بدون ذكور، و"إناث" بدون فروج.

هذه التفاعلية الفكرية الغنية والطريفة بين أعضاء ثالوث جمعَ في بداية هذه الألفية الثالثة فقيها وفيلسوفا وخبيرا في الفكر الاستراتيجي حوْل مسألة واحدة بقيت عبر قرون من المسلمات البديهية في أذهان العموم، يعطي نموذجا حيا عن منهج مساءلة البداهة في بعض ثقافات بني آدم، أي منهج ترقيع البديهيات.

تلك البديهيات التي رسختها ومأسستها التربيةُ النظامية. فمن منا لم ينبهر في صغره على مقعد الفصل بشرح المدرس في حماس لخطبة طارق بن زياد في الحث بلغة الضاد والظاء على الجهاد: (واعلموا أنّكم إن صَبرتم على الأشق قليلاً، استمعتم بالأرْفَه الألذِّ طويلاً (...) وقد بلغكم ما أنشأتْ هذه الجزيرةُ من الحور الحسان، من بنات اليونان، الرافلات في الدُّر والمَرْجان، والحُلَل المنسوجة بالعِقْيان، المقصورات في قصور الملوك ذوي التيجان؛ وقد انتخبكم الوليد بن عبد الملك أميرُ المؤمنين من الأبطال عُرْبانا، ورضيكم لملوك هذه الجزيرة أصهاراً وأختانا). إن كل ما قيل بِحق عن الطابع المنحول لهذا النص لا يزيده إلا دلالة إثنو-ثقافية، أي أنه من نتاج جمعي من بنات أدبيات ثقافة بكاملها في تصورها للوجود والمصير ولأمانة الاستخلاف في الأرض، وليس إنشاء مدرسيا من فيض قريحة شخص شبق مأزوم يحلم بـ"الحريكَـ" نحو ضفة عرائس البحر الحِسان. إن مراجعة البديهيات في هذا الباب، يبدأ بتجديد فلسفة أخلاق وعلم كلام حقيقيين في العالية تتفرع عنهما بالتيسير مضامينُ تربيةٍ نظامية متجددة في السافلة، وليس بترقيعات من قبيل ما تقدم نموذج عنه أعلاه.

==================

أشكر الأستاذ أبادرين على تعليقه أسفله، ولكن أنبه بأن نافذة التعاليق لا تظهر بأمانة إلا ما هو مدون بالحرف اللاتيني



24/08/2010
2 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 343 autres membres