OrBinah

(En Arabe) Cycle de rencontres à l’IURS sur "Savoir et Culture dans les Années de Plomb"; 1-l’expérience de Attaqaafa Aljaddida.

من الممارسة الذاتية للفعل الثقافي، إلى إعمال التفكير السوسيولوجي في تلك الممارسات

(بمناسبة اللقاء حول تجربة مجلة "الثقافة الجديدة")

محمد المدلاوي. 18 مارس 2016

 

سلسلة اللقاءات التي يشرف على تنظيمها الأستاذ عبد الفتاح الزين بالمعهد الجامعي للبحث العلمي تحت عنوان "المعرفة والثقافة في سنوات الرصاص" مبادرة علمية وثقافية جيدة وأصيلة تفرضها ضرورة إعمال التفكير المعرفي في أوجه تطور السوسيولوجية الثقافية للمرحلة، وتستحق بذلك كل التنويه، وينتظر منها الكثير.

غير أن اللقاء الأول الذي خُصص لتجربة مجلة "الثقافة الجديدة" يوم 17 مارس 2016 بمقر المعهد المذكور قد أبرز ضرورة إعادة النظر في بعض الجوانب التصوّرية والشكلية للقاءات. لقد تميز اللقاء الأول بسمتين أساسيتين اثنتين:

أولاهما عمق وصميمية القضايا التي أثارها صاحب العرض؛ وأهمّها طرحُ سوسيولوجيا العلاقة المعقدة التي تقوم ما بين الثقافي والسياسي، وذلك من خلال رصد أوجه تجربة مجلة "الثقافة الجديدة"، إضافة إلى كون ذلك الطرح قد تم من خلال التأريخ لتجربة تلك المجلة على جميع المستويات (التأسيس والمؤسسون وظروفه السوسيوثقافية، لائحة الكتاب ومواضيع الكتابة، التمويل والتوزيع ثم التوقيف وظروفه ودلالاته)؛

أما السمة الثانية فهي سيادةُ أُحاديّة الحديث المتعلق برسم ملامح اللوحة الثقافية لمرحلة جيل كامل، عبْر التأريخ لتجربة منبر ثقافي أصبح - مهما كان دور الاشخاص فيه - نتاجا وملكا لمجموع الجيل الذي ساهم فيه، كلّ من موقعه، أي أنه أصبح ملكا وتراثا للثقافة الوطنية برمتها.

 

لقد تمثلت تلك الأحادية في وحدانية الصوت الذي قام برسم تلك الملامح، وفي روائيته الساردة للتقريريات واليقينيات بدل طرح الأسئلة، وفي إصرار صاحبه على اتخاذ المساهمة شكل نص مكتوب على أساس أن يكون ذلك النص وثيقة ("حديثا وليس شهادة") من وثائق سلسلة تلك الملتقيات الأكاديمية؛ إضافة إلى الطابع المغرق في شخصنة تجربة "الثقافة الجديدة" وفي شحن كل ذلك بشحنة قوية من التعبيرية الحادة عن المشاعر والأحكام الشخصية ومن 'التمضحية' وتوزيع الشكوى واللوم في كل اتجاه (ما عدا الخارج، المنصف الوحيد حسب صاحب الصوت)، تلك المشاعر التي هي مشاعر طبيعية ومشروعة في حد ذاتها، لكنه لا يمكن أن تحلّ محلّ ما يُعتقد أن الملتقيات تسعى إلى تحقيقه كقيمة معرفية مضافة، أي الارتفاع إلى مستوى عقلاني أعلى، مستوى العمل على إخضاع التجربة في عموميتها إلى نظرة تحاول استخلاص تعميمات وصفية لكيفية اشتغال مرحلة كاملة، ولمَ لا اقتراح وصياغة تنظيرات تفسيرية لآليات ذلك الاشتغال.

 

إن كل ذلك إنما يعكس حقيقة أن هناك من لم يستوعب بعد أن زمن الرواية قد ولـّى، وأن الصوت الأحادي، مهما دعمته حمائية حلقية من أي طبيعة كانت، لم يعد مجديا نظرا للاستتباب المتزايد لقيم التعددية في الأذهان تلك القيم التي كانت مجلة "الثقافة الجديدة" بالضبط من أولى بوادرها في مناخ ثقافة يسار منتصف السبعينات الذي بدأ حينئذ يتحرر تدريجيا من أحادية اقتصادوية "المادية التاريخية" منفتحا بصعوبة على أسئلة "العلم والفكر البورجوازي" (سوسيولوجيا، لسانيات، سيكولوجيا، سيميائيات، بلاغيات، جماليات، تراثيات، الخ.) حسب تصنيفات مدونة أمثال المعلم جورج بوليتزر، ممّا لا يندرج حماسيا لا في أفق بعيد لـ"ثورة العمال والفلاحين الطويلة الأمد" ولا في أفق قريب لعشيةِ "انقلاب بلانكي"؛ بل إن ذلك الصوت الأحادي لم يعد حتى بالإمكان أن يستمر في الوجود ولو أراد من أراد؛ وذلك بسبب التطور المادي الحديث لسبل التواصل والاتصال وتحررها..

 

 

إن كل ذلك قد شوّش في نهاية الأمر على تبيّـن السبيل نحو الغايات المعرفية من تلك الملتقيات كما يُعتقد أن المؤسسة الأكاديمية المنظـِّمة قد تصورت تلك الغايات؛ أي غاية إنتاج معرفة سوسيو-لوجية أكاديمية موضوعية حول الثقافة وحول إنتاج مضامينها، في علاقة كل ذلك بالمحيط السوسيو-سياسي العام في فترة من الفترات، وليس مجرد فسح الفضاء الأكاديمي لاستمرار ممارسة تدافع الأداءات السوسيو-ثقافية ميدانيا من طرف الفاعلين في الميدان، على غرار ما يتم في نوادي تلك الأطراف وفي منابرها وتنظيماتها وحلقاتها الخلّانية أو حتى العشائرية الحمائية في بعض الأحيان.

فلنأخذ مثلا السؤال السوسيو-لوجي الكبير حول العلاقة بين العمل على إنتاج المضامين الثقافية وبين العمل أو الاتزام أو الانخراط السياسي، هذا السؤال الذي شكل صلب الجانب الفكري من الحديث الأحادي المذكور. إن أحادية الصوت قد حالت دون أمكانية الوقوف المعرفي على جميع أوجه التجليات الفعلية لما يعبّر عنه إجمالا بـ"العامل السياسي" (سلطة أو قناعة أو انخراطا) في علاقة ذلك العامل بإنتاج المضامين الثقافية وبسُبل نشرها وترويجها؛ أي إمكانية قياس مقدار ما قد يكون مندرجا تحت تلك التسمية من مجرد علاقات خلانية حمائية لتبادل المصالح الرمزية في أطار التدافع.

فهل كان جميع المنتمين مثلا إلى حزب سياسي من الأحزاب التي كانت لها منابر لترويج الإنتاجات الثقافية يتمكنون عمليا من نشر إنتاجهم في تلك المنابر، حتى يقال إن العلاقة ثنائية قطبية ما بين والثقافي والسياسي بمفهومه الصوري؟ أم أن تلك المنابر كانت دائما مكانا لتشكّل عشائر حلقية حمائية ضيّقة للتلميعات الرمزية المتبادلة في تلك الفترة المعنية التي قيل إن مجلة "الثقافة الجديدة" قد جاءت لتشكل فيها منبر من لا حزب له ولا تنظيم وراءه؟

وأخيرا، وبسبب أحادية الصوت دائما في محاولة الإلمام بمختلف أوجه تجربة "الثقافة الجديدة"، فإن كثيرا مما لاحظه وعاينه بعض الحاضرين، كلّ من موقع ودرجة تقاطع تجربته مع "الثقافة الجديدة" وظروفها، من جزئيات غير مطابقة للوقائع، من شأنه إذا ما اجتمع وتقاطع - وبالرغم من الطابع الجزئي أو ربما التافه لكل جزئية في حد ذاتها على حدة - أن يلقي بظلال كثيفة من عدم الاطمئنان على مجمل الرواية مهما تضمنت تلك الرواية من حقائق.

فمن بين الأمور التي تميز بها العرض حول "الثقافة الجديدة" مثلا، تلك اللائحة المطولة جدا والمقروءة انطلاقا من نص مكتوب تمّ الإصرارُ على إعطائه طابعَ وثيقة، من أسماء من ساهموا بأعمالهم في مختلف أعداد المجلة من الأحياء والأموات والبارزين والأقل بروزا في ساحة الإعلام الثقافي. وقد بلغ الطابع "التحقيقي الاستقصائي التوثيقي" لتلك اللائحة أنها استقصت هوية من كانوا ينشرون بأسماء مستعارة، فكشفت أسمائهم كما هي عليه في دفتر الحالة المدنية. لكنه تبيّن في الأخير للبعض أن تلك اللائحة لائحة منتقاة. كان هناك مثلا أحدهم كان جالسا إلى جانب صاحب الصوت الأحادي المذكور، ممن يتذكر أنه كان قد ساهم بنصين مطولين على الأقل في تلك المجلة، وهو الشيء الذي دفع به إلى الاعتذار ذلك اليوم عبر البريد الأليكتروني في آخر لحظة للأستاذ محمد كنبيب الذي كان قد دعاه إلى حضور ملتقى آخر حول موضوع وثيق الصلة بما يشتغله عليه الآن والذي كان منعقدا في موازاة مع اللقاء حول "الثقافة الجديدة" ("كتابة وإعادة كتابة التاريخ في القرن الواحد والعشرين"؛ 17 مارس 2016، الساعة الخامسة؛ مقر جامعة محمد الخامس). هذا الشخص - وصاحب هذا النص يعرفه جيدا – قد سهتْ عنه، أو سكتت عنه، أو حجبته تلك اللائحة المفصلة التي تلاها صاحب العرض بجانبه وبجانب عيّنة من أعداد المجلة التي عرضت بالمناسبة (حوالي ستة أعداد من بينها عدد ساهم فيه). أما المساهمتان المطولتان اللتان ساهم بهما ذلك الشخص في تلك المجلة، فهما الآتيتان (لكل غاية توثيقية مفيدة):

1- (1980) "من النــقد إلى الأدب". الثقــــافة الجديــــدة، المحمدية – المغرب؛ ع:16 (1980) ص: 54- 86؛ وتتوفر نسخة إليكترونية من هذا العدد عبر هـــذا الرابط.

 

2- 1982) "أيديولوجية الدولة في الولايات المتحدة ، أو العنف الصامت". الثقــــافة الجديــــدة، المحمدية – المغرب؛ ع:23 (1982)  ص4-35 (ترجمة للفصل الأول من كتاب  Language and Responsibility. Pantheon Books لنوام تشومسكي، 1979).

 

النص الأول كان من أولى التساؤلات التي طرحت المأزق النظري الذي وجدت فيه الدراسات الأدبية العربية نفسها في السبعينات باالمغرب، وكان عنوانه، كما بَعث به صاحبه بخط اليد في تلك الحقبة هو "أزمة نقد أم أزمة أدب؟"؛ لكن "الثقافة الجديدة" أعملت سلطتها فلطـّـفت عبارة ذلك العنوان وقزّمت مراميَه بصيغة "من النقد إلى الأدب" (؟). ولتكوين فكرة عن مدى تبكير ذلك العمل في حينه، ومجى راهنيته حتى اليوم، يمكن الرجوع إلى نص حديث عن طريق النقر على الرابط الآتي:

https://orbinah.blog4ever.com/en-arabe-4-de-l-etat-des-etudes-litteraires-aux-dpts-d-arabe-4

 

أما النص الثاني، الذي كان موجودا في أحد الأعداد الخمسة أو الستة التي عرضت كعينة للاطلاع خلال اللقاء المذكور، فقد كان شأنه بدوره عينة من بين عينات الممارسات "الديانطولوجية" للنشر في الفترة المعنية سواء في "الثقافة الجديدة" أم في غيرها في ذلك الحين. فقد نشرته هذه المجلة باعتباره حوارا أجرته بصفتها مجلة مع نوام تشومسكي، ووضعت اسم "نوام تشومسكي" في مكان اسم صاحب المساهمة في أعلى الصفحة الأولى، ثم ادعت أنها قد نشرت الحوار بترخيص خاص من نوام تشومسكي؛ مع أن الأمر يتعلق بمبادرة من المساهم الحقيقي (أي المترجم من الأنجليزية لحوار كانت قد أجرته كاتية فرنسية مع تشومسكي وصدر سنة 1979) بادر من خلالها المساهم آنذاك من تلقاء نفسه بترجمة الحوار المطول من اللغة الإنجليزية إلى العربية، ثم راسل تشومسكي في شأن نشر الترجمة، فحصل على الترخيص بذلك لنفسه، ثم بعث بعد النشر إلى تشومسكي بنسخة من نشر الترجمة العربية في مجلة "الثقافة الجديدة" تلبية لطلب هذا الأخير الذي يحرص على توثيق كل ما كتب عنه؛ وتانك الرسالتان ما تزالان محفوظتين خلافا لما ادعاه عددُ المجلة ولما كرره صاحب الحديث الأحادي حول "الثقافة الجديدة" في عرضه. ولقد ذكّر صاحب الترجمة تشومسكي بذلك وبغيره مما ترجم له في السياسة وفي اللسانيات خلال الثمانينات وبداية الألفية، وذلك خلال تبادل مكثف أخير (فبراير 2015) عقب نشر المترجم لرد  على موقف تشومسكي من قضية الصحراء المغربية وبعث إليه برابط نحو ذلك النص وهو الرابط الآتي (صيغة أنجليزية وفي بدايتها رابط داخلي نحو صيغة عربية):

https://orbinah.blog4ever.com/in-english-chomsky-the-arab-spring-and-moroccan-sahara

 

من الطبيعي أن تبدو مثل هذه الجزئيات الشخصية الأخيرة كما لو أنها لا تعدو أن تكون، هي نفسها، عبارة عن مظهر من مظاهر سوسيولوجيا التدافع الميداني في الساحة الثقافية بين الفرقاء؛ لكن لو كان جوهر الإدلاء بها يندرج في ذلك المستوى لكان قد حصل ذلك قبل ما يفوق الثلاثين سنة لما كان عصَبُ حياة ذلك التدافع الرمزي للجيل الفاعل ثقافيا في أوج عنفوان رهاناته الرمزية وكانت كل الأطراف يـتصيد بعضُها ثغرات البعض الآخر. أي أن مثل هذه الجزئيات، بما تتوفر عليه من توثيقات، تكتسب اليوم، باعتبارها عيّنة من العينات، دلالاتٍ موضوعية على مستوى آخر، مستوى شروط استخلاص المضامين المعرفية من تجليات تلك التدافعات؛ ومن شأن تلك الدلالات، إذا ما تقاطع بعضها مع بعض بعد استخلاصها بمنهجية، أن تساعد على رسم خطاطة عامة أقرب ما تكون إلى مطابقة الواقع.

تلك بعض الملاحظات التي عنّت حلى حول الملتقى حول تجربة مجلة "الثقافة الجديدة" والتي من شأنها، بالرغم من طابعها الجزئي، الذي إنما ينطلق من بعض القرائن الجزئية بحكم طبيعة تجزيئية الحقيقة العامة ما بين الأفراد، أن تـلـفـت الانتباه إلى فائدة إعادة النظر في أسلوب محاولة تسليط أضواء معرفةٍ سوسيولوجية أكاديمية على موضوع "المعرفة والثقافة في سنوات الرصاص" التي بادر الاستاذ عبد الفتاح الزين إلى تصورها وتدشين حلقاتها بالمعهد الجامعي للبحث العلمي بالرباط.

محمد المدلاوي

https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques



19/03/2016
4 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 343 autres membres