OrBinah

(En arabe) Que signifie la signature d'une pétition contre la discrimination ethno-culturelle?

ما معنى أن يوقع مواطن على عريضة؟

ضد كل أشكال رمزيات الإقصاء

(12 ماي 2002، الموافق للسنة الأولى بعد الخراب)

 

1- حــيثيـــات

كتبت مؤخرا (30 مارس 2002)، مباشرة على إثر اجتياح القوات الإسرائيلية لمدن الضفة الغربية، مقالا ثانيا باللغة الفرنسية بعنوان معناه "من أريحا إلى جنين على طريق ماصادا"، وهو امتداد لمقال أول سابق، بالفرنسية كذلك، كنت قد كتبته في نفس الموضوع على إثر انطلاق شرارة الانتفاضة الثانية في سبتمبر 2000، بعيد الزيارة الاستفزازية لأريال شارون لساحة المسجد والقبة، أي بعد وقعة سقوط الطفل جمال محمد الدّرة. وقد نشر آنذاك المقال الاول على حلقات ثلاث في الأسبوعية المغربة Le Journal ( ع: 142، 143، 144، أكتوبر-نوفمبر 2000) و هـو متوفـر حاليـا، إلى جانب مقـالAl-Aqsa Intifada  لتشومسكي،  بالموقع  الشبكي:

 <www.geocities.com/jibal_daran/DARAN.htm>. (انظر نصّي المقالين في القسم الفرنسي من هذا الكتاب)

 

والمقال الأول المذكور (مقال سنة 2000) يحمل عنوانا معناه: "ماهي الروح المحركة للمجتمع الإسرائيلي؟". والسؤال مرافعة تجمع، من حيث الروح ما بين المقالين معا، من خلال استعراضي فيهما للأحداث، و من حيث قراءة تلك الأحداث على ضوء بعض جوانب الثقافة التلموذية والهاﮔادية، ومن حيث علاقة تلك الثقافة بتحديد المواقف السياسية الرسمية، والاجتماعية النخبوية في إسرائيل، تجاه القضية الفلسطينية كما يبدو لي على الأقل. كما يجمع بين المقالين كونُهما يتوجهان معا، بالدرجة الأولى، إلى بعض فئات تلك الأوساط، عبر لغة من اللغات المستعملة لدى النخبة فيها ألا وهي الفرنسية، و كذا من خلال الإحالة على مرجعيات من صميم الثقافة اليهودية الداخلية. ولذلك لا يمثل، في ذينك  المقالين، التساؤلُ من جهة أخرى حول بعض أوجه الطروحات العربية والإسلامية لنفس القضية، إلا استثناءات هامشية.

وإذ لم أوفق حتى الآن في أن أجد للمقال الثاني مكانا للنشر، وقد بعثت به إلى حوالي ستة منابر صحفية، ما بين الداخل والخارج، فقد قمت بتعميم صيغ متتالية منه، عبر شبكة البينون (Internet) وعن طريق البريد العادي، وكان آخر تلك الصياغات صياغة 20/4/2002، التي وزعت منها مناجزة، يدا بيد، بعض النسخ الورقية على بعض الأساتذة والمفكرين، أعضاء أكاديمية المملكة المغربية، على هامش أعمال الدورة الربيعية لهذه المؤسسة، التي حظيتُ بمتابعة أعمالها (25-27 أبريل 2002)، ومن بينهم مفكرون أجانب أمثال الوزير الفرنسي السابق، الفقيد 'ميشيل جوبير'، و الوزير الأول البرتغالي السابق 'ماريو شواريس' الذي  حصل أن طرح في تدخله في تلك الدورة نفس الأسئلة التي طرحتها حول نخبة المجتمع الإسرائيلي.

ومن بين الاستثناءات الهامشية بحكم الجمهور المخاطب، والمشار إليها على التو، والتي وردت عرضا في المقال الأخير، الموزع وغير المنشور، والمتركز أساسا على مساءلة المجتمع الإسرائيلي وما يُعتبر فيه دعاةَ للسلام، ما يلي، وهو متعلق ببعض تجليات ردود الفعل، في المغرب على وجه الخصوص، تجاه رعب وهمجية الآلة الحربية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني:

[[… هذه الأمواج الشعبوية التي يقفز بعضها على القومة الشعبية العفوية المُدِينة للرعب (الإسرائيلي) فيصيح - وفي يومنا هذا - في شوارع الرباط (07/04/2002) بمثل "خيبر، خيبر، يا يهود! جيش محمد سيعود"، أو الذي يبدع في ميدان الشعارات القاتلة من قبيل : "هادا عار، هادا عار؛ يهودي مستشار!وذلك دون أن يردعه قانون، هو غير موجود، ومن غير أن تتصدى له نخبة مثقفة من رهط بعض "السبعو-ستـّيـنـيين" و"الثمانو- ستـّـينـيّـين" (soixante-huitards) التائهين والمفلسين (…) الذين، إذ لم يعودوا قادرين على اقتراح أي شيء بديل كقيم فلسفية وأخلاقية بناءة وكيوتوبيا معبئة، تراهم يحاولون التأقلم والتكيف مع الزمان الأعجف كما أراد، وذلك عن طريق تملقهم للجمهور وللعامة، وتركهم أوتار مشاعرهم المباشرة تهتز في تناغم مع ذبذبات النزوات الغضبية الخام لذلك الجمهور وأولئك العامة ممن لم يعد لهم – أمام هول مشاهد الرعب اليومي -  في غياب تام لأي بوصلة هادية، ولأي تأطير سياسي وأخلاقي فلسفي بنّاء - إلا أن يـغرفوا غرفا من ينابيع مخزون القرون الوسطى".

 

التوقيع على العريضة

و بعد ذلك مما ذكر، وفي صبيحة يوم فاتح ماي 2002، ألتقي أمام مقر الولاية بمدنة وجدة بمسيرة إحدى المركزيات، وهي تردد نفس القبيل من الشعارات المشار إلى عينة منها آنفا؛ وتشاء الصدفة أن تقع عيناي لبضع دقائق بعد ذلك في كشك للصحافة، على عنوان بارز بالأبيض، والأسود، والأحمر، لإحدى الأسبوعيات الناطقة بالفرنسية ( 2002/4/26، N°68،La Vérité)، ومعناه " لا لكل أشكال العنصرية". يتضمن العدد في الصفحة 13 عريضة توقيعات تحت عنوان " من أجل قانون ضد العنصرية". وبالإضافة إلى الاستناد إلى روح الدستور، وإلى واقع التعدد الذي طبع المغرب عبر التاريخ، تتضمن ديباجة العريضة إشارة إلى وجهين مسميين من أوجه العرقية أو العنصرية، يفهم من إبرازهما، علي سبيل التعيين بذلك الشكل، بأنهما يمثلان أبرز تلك الأوجه، وهما (1) استهداف اليهود  من طرف "الحركات الرجعية"، (2) استهداف العرب من طرف "بعض المتطرفين الأمازيغ".

 

بالنسبة لي - أنا الذي سبق لي أن أثرت، في مقالي المشار إليه، الفراغ القانوني في هذا الباب، وذلك قبل أن يبلغني هذا النداء أو ذاك بمحض الصدفة أو الفضول - تبقى تلك المبادرة، الشجاعة أخلاقيا، و"الذكية" سياسيا، مقدَّمة في الاعتبار على "تحليل النصوص" والاستجلاء السيميولوجي للتوظيفات المبطنة في نص ديباجة العريضة التي لا تخفى على أحد؛ وتبقى تلك المبادرة من حيث جوهر مبدئها (مبدإ مناهضة العرقية) حاجبةً، في التقويم والاعتبار ومبررات الاستجابة في الوقت المناسب، لكل النقائص التي تعتري الديباجة، ما دام مشروع القانون المطالب به سيمرّ، في صياغته وتعريفاته وتحديداته، بمختلف مراحل مناقشة وإخراج النصوص التشريعية، ومادام أنه لم يكن هناك، في الواقع، من كان يمنع أية جهة أخرى من القوى المواطنة والديموقراطية من السبق إلى اتخاذ المبادرة واقتراح دعوة بديباجة متوازنة لا تشكو من أي توظيف ثانوي طفيلي، ولا من أي  تناقض داخلي هو من قبيل ما يعتبر من باب قولهم بالعربية الدارجة: "لـي حرتو جّمل دكّـو".

وبما أنه ليست لي، بحكم صفتي، لا الإمكانيات الإعلامية للقيام بهذه المبادرة، ولا الإمكانيات المؤسسية والقنوات التنظيمية، فقد قبلت المبادرة عن وعيٍ وبالرغم من علات ديباجتها، فوقعت العريضة على التو وبعثت بها عن طريق الفاكس، آخذا بـــصواب مبدإ النداء، وغاضّا الطرف عن تضارب وانتهازية صياغة الديباجة، وذلك اقتداء بقول الحكيم الطائي:

 

فإنك إن لم تشرب مرارا على القـذا * ظمئت، وأيُّ الناس تصفو مشاربُه

 

هذا من جهة ومن حيث الشكل؛ أما من جهة أخرى ومن حيث الجوهر، فإن الشر يتعين أن يـُخنق في البيضة، قبل أن يشتد عوده، ولو كان ذلك الشر وليد شعار القصاص الجهنمي الذي يقول: "الشر بالشر والبادئ أظلم". فمن ذا الذي يمكن أن يـنكر زحف بوادر مرض طفولي يتهدد الخطاب الأمازيغي الناشئ، الذي كان يراد منه، من حيث المبدإ، أن يشكل وجها من أوجه خطابات الحداثة والمواطنة في هذا البلد السعيد، وذلك من خلال استغلال بعض منتجي هذا الخطاب هوامش الحرية التي حققها المغرب في السنوات الأخيرة استغلالا شعبويا، ومن خلال سطو ذلك البعض، من جهة أخرى، على قضية وطنية نبيلة ليصرفوا من خلالها باثولوجية السفه المضاد في وجه سفه آخر قديم عُـمِّر الآن عقودا، وكان الخطابُ الأمازيغي بالضبط منذ الستينات يـُحسـَب من بين مظاهر الخطاب العقلاني الحداثي الجديد الساعي إلى تجاوزه بالعقل وفعل العقل، وليس برد الفعل؟

فالذين يتجاوزون اليوم كل حدود المواطنة في ردود أفعالهم على أعمدة الصحافة، وعبر الفضائيات، والمؤتمرات الدولية، لم تكن لهم الشجاعة ليحركوا ساكنا حينما زُجّ في السجن بالشاعر علي صدقي ازايكو، وهو لم يتفوه حينئذ لا من بعيد ولا من قريب بمثل ما نقرأ أو نسمع  منهم اليوم أحيانا. إنه، إذا لم يتم خنق هذا السفه المضاد في مهده، بالكلمة التي لا تخاف في الحق لومة لائم، وذلك قبل المراهنة على الترسانة القانونية، ناهيك عن الإجراءات الزجرية الإدارية، فإن الخطاب الأمازيغي وما يرتبط به أو يتكامل معه من مظاهر خطاب الحداثة والعقلانية، سيستحيل من حيث لا يدري أصحابه إلى أن يــــوظـــف تــوظيــــفا سيـــاسيــــا كمجرد بَـلسم وترياق ظرفي ضد خطاب متطرف آخر صاعد باسم الدين، وستخيب بذلك الآمال المعقودة على الخطاب الأمازيغي في أن يساهم مساهمة مركزية في تأسيس فكر نهضوي، يكون بديلا للتيه الذي أعقب سقوط الأصنام التقليدية من قوميات وشيوعيات وأمميات، وستغرق محطاته ومعالمه الكبرى، محطات الفعل العقلاني الواعي من قبيل تأسيس الجمعيات الرائدة، وميثاق أكادير، والبيان الأمازيغي، وديباجة ظهير أجدير، بالإضافة إلى حصاد من الأعمال الأكاديمية في اللغة والأدب، ستغرق كل تلك المعالم الكبرى الواعدة في وحل مستنقعات ردود الأفعال المتشنجة واللامسؤولة، ردود فعل حقودة ضد خطاب كارثي سابق، ضيق الأفق ومتعال متعجرف، كان ينفي جزءا من ذات الوطن نفيا مازوشيا؛ ردود فعل فقيرة فنيا، ومقفرة فكريا، وبذيئة أخلاقيا في بعض الأحيان، من قبيل أن يرسُم بعضُ المرضى، المتطفلين على فن الكاريكاتور، حرف الزاي التيفيناغي وهو يتبول على حرف الضاد بالحرف العربي، أو أن يرسم ذلك البعض شخصا متطربشا وهو يخاطب دابة من ذوات الحوافر بقوله " يا أخي في العروبة"، وذلك في تعريض بمفهوم "الحصان العربي"!

إنهم أولئك الذين يستدرجون الخطاب الأمازيغي - من خلال هوس "الشرقانية"، و"القومجية"، وغير ذلك من الألقاب السوقية الشعوبية والشعبوية - إلى وضعية تنذر بأن يجد فيها الخطاب الأمازيغي نفسه يوما سجينَ حارةٍ أو"ﮔـيتو" حلـَقي يعزله كلية عن القضايا الكبرى، بما فيها قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، التي لا يتوفر لها  لحد الآن ذلك الخطابُ، بسبب تشويش تلك الألقاب الهجائية، على تصور طليعي متكامل، إلى درجة أن ذلك التشويش، وذلك التخبط مهد الطريق أمام كل التلغيمات الممكنة، كذلك التلغيم الذي زرعته كواليس الريف مؤخرا، والذي ما كان يتصور الإقدام على المقامرة به في السوق لولا ذلك التشويش المرضي الذي يخلط الأنواع، والذي كلما أثيرت القضية الفلسطينية مثلا، أو العراقية، إلا وطرح قضية "العروش" في بلاد القبائل، أو قضية الطوارق في مالي والنيجر كقضايا مضادة، وذلك على سبيل المقايضة والمقاصة في ميدان المبادئ والمسؤوليات، وهذا أحط الأخلاقيات.

 ومع كل ذلك، فلحد الآن لم أسمع، ولم أقرأ استنكارا وشجبا من طرف العقلاء من منتجي الخطاب الأمازيغي - وهم كثر لحسن الحظ - لمثل هذه الانحرافات الشنيعة التي وجدت طريقها إلى الصحافة؛ كما أنني لم أسمع، ولم أقرأ استنكارا أو شجبا صريحا من طرف عقلاء الخطاب الإسلامي لسلوك من يقفون في توظيفهم للنص على "ويل للمصلين"، فينعتون اليهود – من حيث هم يهود –  بالقردة، والخنازير، وقتلة الأنبياء، وذلك من خلال بيانات تنشر بالبنط العريض على أعمدة صحيفة ناطقة باسم حزب سياسي يستحق كثير من قادته كثيرا من الاحترام كشخصيات لها سلوك ومواقف، وذلك مهما كان الاختلاف في الاجتهاد والتقدير والرأي. إن هؤلاء لم يستنكروا كذلك بعض المقالات من قبيل ما كتبه يوما أحدُ السادة المحترمين من ذوي التفكير المنطقي المتماسك على المستوى الأكاديمي، وهو كاتب ركن في نفس الصحيفة، وذلك  تحت عنوان "هل فقد العرب حاسة الشم؟"، يشير فيه إلى ما يدعيه من أن ذاكرته الثقافية تحتفظ من فترة الصبا بـــرائحة خاصة منفرة تميز الأوساط اليهودية (!)، إلى غير ذلك من ثقافة مخزون القرون الوسطى التي تتعايش معها النخبة السياسية والفكرية بمقتضى حسابات سياسوية بليدة، سياسة مغازلة المتطرفين المدغدغين لمشاعر العامة، وذلك لقاءَ سرابِ مكاسبِ تعاطفِ أولئك العامة، مع أن الزعيم العنصري الفرنسي الذكي الحس، والخبيث اللسان "جان ماري لوبين" كان قد حسم الأمر في هذا الباب من أبواب المقامرة السياسية حين نبه ذات يوم الرئيس الفرنسي 'جاك شيراك' على إثر مغازلة هذا الأخير لمشاعر العامة من الفرنسيين عندما تحدث عن 'الروائح' المنبعثة من الأوساط المهاجرة، تنبيها إلى أن "الناس يفضلون، في النهاية، الأصلَ على النسخة"، خصوصا في باب المثل والقيم. ولقد بينت المغامرة الانتخابية الفرنسية الأخيرة، بشكل تراجيدي، صدق وصحة ذلك التنبيه على ما فيه من شماته معلنة. اتضح ذلك اليوم لجاك شيراك الذي انتصر في الانتخابات  انتصارا 'بيروس' (victoire à la Pirus)؛ كما اتضح ذلك لــ'ليونيل جوسبان'، الذي استسلم بدوره مؤخرا لإغراءات تجارةِ تملقِ مشاعر العامة عن طريق التركيز الانتهازي على الأسطوانة الأمنية المقرصنة في الحقيقة من ألبوم  "جون ماري لوبين" الأصيل: لقد فضل العامة من الفرنسيين الألبوم الأصيل على الأسطوانة المقرصنة، فقدموا، في أصواتهم، "جان-ماري لوبين" على "ليونيل جوسبان"، فهل من معتبر؟.

 كما أن العقلاء ممن ربطوا المرجعيات الإسلامية بعملهم السياسي وفعلهم الدعوي والتربوي التثقيفي لم يبادروا إلى شجب الشعارات الأخيرة التي رفعت  بعضَ أحكامِ وألقابِ المخزون الثقافي العامي إلى مستوى الحجة السياسية، خصوصا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، التي عانت كثيرا من التوظيفات والمزايدات، وهي شعاراتٌ مدانة أخلاقيا مهما كانت المرجعيات الأخلاقية، وبليدة سياسيا، تصب الماء في اتجاه طاحونة شارون وسياسة فريقه التي تنبني على فكرة أن اليهود في إسرائيل وفي غير إسرائيل مضطهدون باعتبارهم يهودا، انطلاقا من قناعات مبرمة، ومن نصوص مؤسِّـسة لدى غيرهم، وأن من يحلم من هؤلاء اليهود بالمواطنة في غير إسرائيل مخطئ، بما أنه متهم باستمرار خارج إسرائيل، ومن حيث الأصل، إلى أن تثبت براءته، ولن تثبت أبدا.

فمن ذا الذي يقبل وضعيةَ مواطنةٍ تجعل من بعض خصوصيات هويته الثقافية أو الملية علامة للتشكيك المستمر في ولائه الدستوري، ومانعا له من ممارسة الحقوق المدنية والسياسية كاملة ومن بينها المناصب والمسؤوليات السياسية؟ إن سيادةً لمنطق كهذا على مستوى الثقافة السياسية ستجد دائما من يحتـلّ أسفل السلـّم، ليـّتـَهم، ككبش فداء، بتمثيل طابور خامس وهمي تُعَـلق على مشجبه كل النقائص والإخفاقات الذاتية للجماعة. فحتى إذا ما حصل أن حقق الغلاة صفاءً مليا في فضاء البلاد، فإن هذا المنطق سيرشح أبعادا أخرى، قد تكون لغوية-ثقافية، و قد تكون اجتهادية أيديولوجية، أو فِرقية أو مذهبية، لإحلال أصحابها أسفل السلم من جديد، ما دام هناك سلم للميز والإقصاء لا معنى لسلميته ما لم يكن هناك من يملأ منازله ومراتبه.

 

تلك –باختصار- هي الاعتبارات والتقديرات التي جعلت كاتب هذه السطور- وليس وحيدا في هذا الباب على ما يبدو- يوقع على مبدإ ما نادت إليه وبه مشكورة الأسبوعية المذكورة، بالرغم مما يعترى ديباجة النداء من تلغيمات كما عكست ذلك التوضيحات والتنبيهات التي وردت في العدد الموالي من نفس الأسبوعية (10/05/2002) وكذا في العدد 511 (10/5/2002) من المستقل الأسبوعي. وإلا فمن ذا الذي يمكن أن يقتنع،  وهو سليم القوى العقلية، بأن الخطاب الأمازيغي هو أبرز مظاهر الفكر الإقصائي في الثقافة المغربية، بالصريح الملفوظ الذي تحتفظ به الشواهد، وبالمسكوت عنه والملحوظ الذي يفصح عنه لسان الحال؟ ففي ما عدا المؤرخين الممتهنين للتاريخ كمهنة، أوالسوسيولوجيين المستلبين من محبي السلامة الذين يولون وجوههم شطر غرائبيات الآفاق والوقواق، أو مبدعي الرواية والدراما عامة ممن نـَسوُا التاريخ أو أُنـسوُا ذكرَه، من ذا الذي يمكن أن يـُنكر ما يخترق تلك الثقافة في طبقاتها المطمورة، المسكوت عنها، من أبعاد تراتُـبية تمييـزية (segrégationisme) كانت حقوقيةً إلى ما قبل عقود، وهي رمزيةٌ قيميةٌ اليوم بدرجات متفاوتة، و يحتل فيها اليهودي أسفل السلم على المحور الملي، والملونُ اسفل السلم على المحور الإثني، والأمازيغي أسفل السلم على المحور اللغوي-الثقافي، والعروبي والجبلي أسفل السلم على المحور الجهوي العمراني؟ هذه الترابيات يسجلها ويوثقها ديوان النـُكت، والأمثال، والألقاب، وتترجم في السلوكات، والمعاملات اليومية، في المؤسسة، والإدارة، وصفوف المسجد، وكذا في الحياة العامة، من المباريات، إلى فرص الشغل والمناصب العليا.

وإذا كان لابد من نماذج ملموسة من تلك الشواهد التي وثقتـْها اللغةُ واحتفظ بها ديوان المغاربة كما تحتفظ الطبقات الجيولوجية على معطيات التاريخ الطبيعي، وتعكسُ في نفس الوقت البنية الجيولوجية السانكورنية القائمة، وبما أن حاكي الكفر ليس بكافر – كما يقال، من حيث إنه واصف للمعطيات مشخِّص لها وليس بمتبنٍّ لها ولا موظـِّف لها قيميا وغائيا، فلا بأس أن نذكـّر ببعض المسكوت عنه من طرف النخبة في محافل الرسميات، مما تجري به مع ذلك الألسنة جريانها باللغو في محافل الصدق والمصادقة، والذي يفصح عما في الصدور مما يسكت عنه ما هو موثق في السطور. والغاية من هذا التذكير بالدرجة الأولى هو فتح هذا الملف من الوجهة السوسيولوجية الأكاديمية، ومن الوجهة القانونية، تمهيدا لإغلاقه على مستوى العقلية الثقافية ومستوى سلوك المواطنة العصرية الحديثة عبر مجهود عمل طويل النفس على مستوى التكوين والتثقيف والتربية. كما  أن من شأن هذا التذكير أن يبين بالملموس لا باللجاجة، زيفَ ما تحاول ديباجة النداء المذكور تصويره للناس  من ادعاءٍ بأن الخطاب الأمازيغي هو الذي يصلح أن يمثـّل به في المغرب تسميةً وتعيينا كنموذج للفكر الإقصائي، وأن أبرز مثالين يمكن التمثيل بهما كضحيتين مستهدفين لهذا النموذج من العقليات والسلوكات في هذا المغرب نفسه هما اليهودي والعربي، على قدمي المساواة في درجة الاستهداف.

 

تقول بعض هذه الطبقات 'الجيولوجية' أو هذه الحفريات الأدبية للثقافة المغربية:

 1) " آ-الشلح يا بن الشلح، يا قليل الوفا في كلامُه،

   واخّا تطبخـه من السّـبت للـسّـبت، ما تخرج المرورة طعامه".

 

2) "الجّـبل بارد، والتـّلج زادهو برودة،

  يلا تصيب الخير فالـشّـلح تصيبه حتى فـالقرودا".

 

3) "الشـّلح وللفار لا تورّيـه باب الدار".

 

4) "ولد الشـّلحة فـالجـبل، هوّا ومُّــه فـالحبل، على جغيمات اللـبن".

 

5) "ابلوح، كول ولوح، الله ينعل جد الشـلوح"

 

6) "رمضان والشـّلحة"، وفي رواية أخرى: "الصّهد وشـلحة"؛ يقال في اجتماع الإكراهين أو المكروهين، في اعتبار السفهاء.

7) "شنقو الشلح!" أي  "اقتسمـوا اللحمَ"، كناية عن عادة الإيقاع بـ "الشلح".

 

وقد ترجّـز بعض السفهاء من أشباه المتعلمين بدورهم في هذا الباب فقالوا:

8)      ثلاثة في الدنيا للتنقيزُ    *     الشلحُ والقردُ و"المعيزُ"

 

أما بعض شعراء النخبة المثقفة، ممن هم في كل واد بسوء القول يهيمون، ويفعلون أسوأ مما يقولون، فقد تجاوزت بهم جرأة التجديف حدود مجرد تبرم العامة بسماع 'الشلحة' كتبرّمهم بتحمل شهر الصيام، إذ بلغ التجديف لدى ذلك البعض حد إجراء ذلك القبيل من التبرم على لسان أبي البرية آدم عليه السلام، حيث أجروا على لسانه، من أجل ذلك، أول نطق بأبغض الحلال، ألا وهو الطلاق، وذلك حين قولوه - وحاكي الكفر ليس بكافر – ما يلي:

9)  رأيت آدم في نومي فقلت لـــــــه  *   أبا البرية إن الناس قد حكمـــــــوا

     أن البرابر نسل منك، قــال: إذن       حواء طالقٌ إن صحّ الذي زعمـوا

 

أضف إلى هذا أنه في الوقت الذي تتساوى فيه تقاليد الخطابين، العربي والأمازيغي، في نحت وصياغة مختلف ألقاب الشتم الملي في حق اليهود ("بن اليهودي الاخُر"، "بن المحروق لاخُر"؛ "اسكّاك'، بوتشيـشيـت"… إلخ)، وفي حق الملونين ( 'عزّي'، 'العنطيز'؛ 'هوزّان'، 'هورّان'، هوفّان''، 'سوفّيح'، إلخ)، تتميز العربية  الدارجة باللقب الشتـمي "الشلح القروفّي"، "بن الشـّلح الاخُر" على قياس "بن الحرطاني لاخور"، أو "بن اليهودي الاخُر"؛ بينما لا تتوفر الأمازيغية على صيغة للشتم خاصة بالعنصر العربي من حيث هو عربي (لا وجود مثلا لــ"يوس ن-واعراب")، مع أنها تتوفر على ما يقابل ذلك بالنسبة لليهودي ( "يوس-ن-ووداي"، إلخ) أو الملون ("اسوقي ن-باباك"… إلخ).

 

إذا ما أضفنا إلى هذه العينة ديوانَ النكت الضخم الذي تلعب فيه دورَ النجم شخصيةُ  "السوسي" (حْماد، عْلي، الحوساين أو إبراهيم) صاحب دكان البقالة، والذي لا تحلو جلسة في مقهى، ولا تـُستمرؤ مائدة دسمة دون أن تُنتقى منه صنائعُ ونوادرُ ومُـلَح على سبيل "الإحماض" تساعد على الهضم وعلى تزجية الوقت بالحديث عن بُخل هذه الفئة الكادحة، التي روجت الاقتصاد الوطني باغترابها أبا عن جد لعدة أجيال، والتي تستيقظ كل صباح قبل الجميع لتؤثث موائد فطور العباد، بعد أن تكون آخر من ينام، والتي، إذ تؤدي الضرائب، فإنها لا تعرف لا الأعياد، ولا العطل، ولا التغطية الصحية، ولا الضمان الاجتماعي، ولا قانون الشغل، ولا التقاعد، والتي كان آخر ما قرأته في سجل ديوان النكت والغمز واللمز بشأنها ما تفنـن السيد عبد الله العمراني في صياغته في افتتاحية عدد أسبوعيته، التي كان لها على كل حال شرف السبق إلى إخراج هذا الأمر من حيز المسكوت عنه؛ ففي حديثه المستنكِر والمندِّد بكل أشكال الاستهدافات والإقصاءات، لفظيةً كانت تلك الأشكال أم غيرَ لفظية، استسلم كاتب الافتتاحية، في مفارقة صارخة، أمام غلبةِ الطبع على التطبّع، فصاغ عبارة «autres Soussis» في سياق ومعرض تـورية بلاغية يتراوح معها معنى لفظ العبارة، بمقتضى جناس اللغة الفرنسية، ما بين "سُوسيّون آخرون" وبين "هموم أخرى"، رابطا بذلك في الذهن بواسطة تلك التورية ما بين "السوسي" و"الهمّ" على سبيل الاقتران، وذلك في أسفل سلم استعراض الأمور كما هي العادة، وذلك بعدما استعرض :الفاسيين"، و "العروبيين" و "الجبليين".

وليس معنى هذا أن الثقافة المحلية للسوسي، أو الريفي، أو الزياني، أو الأمازيغي عامة، ثقافة كونية خالية من ميولات الإقصاء الملي أو الإثني –الثقافي، أو حتى الجهوي كما يحلو لبعض الرومانسيين المتأخرين أن يتصور وأن يصوروا ذلك. فهذه الثقافة هي التي ربطت في المعجم ما بين صفة اليهودية (/تودايت/ أو /ثوداشت/) وما بين خصلة "الجبن" أو "الخُبث" حسب السياق، ومنها انتقل المفهوم إلى العربية الدارجة ( /تايهوديت/) بدليل البنية الصرفية لهذه الأخيرة، والتي تعكس المورفولوجيا الأمازيغية. والثقافة الأمازيغية هي التي أنتجت نماذج من قبيل:

1)     اعراب، اعراب ا لخاوي؛ توﮔـيك لموت اكّـ تاوي

   " يا عربي يا عربي، أيها النخِب الهواء ! حتى الموت تعاف تذهب بك"

 

2)  اعراب وريـكًـي كًـُُـما،ك ايا شلحيّ

    "العربي  ما هو بأخ لك، أيها الشلحي"

 

3) الاطيف! اسي كا  ازرو، تافت-نّ اعراب"

    " يا لطيف! يكفي أن تحرك حجرا لتجد تحته عربيا (أو أعرابيا؛ تشبيها بالعقرب)"… الخ

 

فمن خلال هذه الإطلاة الخاطفة على المرآة ، يتضح أن الثقافة المغربية مثقلة بالمسكوت عنه رسميا وسوسيولوجيا على المستوى الأكاديمي، بالرغم من أن هذا المسكوت عنه يفعل فعله، في السلوك والتربية، في الحياة اليومية والعامة. كما يتضح بأن ما تحاول ديباجة العريضة إيهامه من أن الخطاب الأمازيغي هو أبرز أوجه الإقصاء، وأن معشر "العرب المغاربة" هم الضحية الأولى، إلى جانب إخوانهم في الاستهداف 'اليهود المغاربة"، على سبيل المساواة في درجة الاستهداف، إنما هو زعم فيه كثير من التعنيف للواقع سواء فيما يتعلق بالمورث القديم للخطاب، من حيث أن السيادة النسبية للعربية في السوق اللغوية، بناء على نفوذ المدينة ونفوذ قيم أخرى، يجعل الحمولة الإقصائية لما صيغ بالعربية أكثر انتشارا وقوة، أم فيما يتعلق بالرصيد الحديث.

فإذا كان من الصعب إنكارُ ما أشرنا إليه في بداية هذا المقال من مظاهر انزلاقات الخطاب الأمازيغي في السنوات الثلاث أو الأربع الأخيرة نحو "ﮔـيتوهات" الإقصاء، فإن أصعب من ذلك هو إنكار ما مورس من ابتزاز ثقافي وتوريط سيكولوجي وتربوي عبرَ عدة أجيال في حق كثير من المغاربة من طرف خطاب رسمي وتربوي بـُني لمدة سبعين سنة على سـّبة الظهير المسمى بالبربري والذي شكل فزاعة أمام أجيال متوالية من هؤلاء تمنعهم من أن يعيشوا هويتهم الطبيعية كما هي معطى من معطيات التاريخ المغربي، في اتزان ودون انفصام سكيزوفريني. ولقد تعدى الأمر الخطاب العام إلى القرارات الإدارية من حيث الإجهاز على رصيد التراث اللامادّي الطوبونيمي للبلاد، ومن خلال منع بعض العباد، من إعطاء أسماء الجدات والأجداد للبنات والأحفاد، من قبيل 'يدير'، 'بيروك'، 'ماسين'، 'نامير'؛ ومن قبيل 'ممّاس'، 'حجّو'، 'يجّا'، 'يطّو'، 'تودا'، 'تلايتماس'؛ في حين أننا نسمع اليوم عن: 'شكيب'، 'رأفت'، 'مصعب'، 'فيصل'، 'هيثم'…؛  وملفات  المحاكم شاهدة في هذا الباب.

وإذا كان المغاربة يطمحون اليوم، من خلال اجتهاداتهم السياسية والدستورية والثقافية للسنوات الأخيرة، إلى خلخلة بعض القناعات المجانية وبعض اليقينيات المزيفة، وإلى فك مؤامرة الصمت ورفع صمت المؤامرة عن بعض مظاهر المسكوت عنه قصد وضع أسس المجتمع الحداثي العقلاني حيث تتوفر آليات مؤسساتية لتدبير التعدد والاختلاف بما يجعل منهما اليوم وغدا مصدرَ خيراتٍ مادية ومعنوية وحضارية، فإن أول ما ينبغي التخلي عنه في هذا الباب هو الأسطوانة التي تقول بأن المغرب لم يصل بعد من النضج الاجتماعي ما يسمح له بمواجهة وجهه في المرآة، للقيام بما يلزم من طهارتـَي الحدَث والخبَث. إن أخف تأويل لادعاء مثل هذا هو الرغبة في تمديد عمر حالة اللاتوازن في اتجاه معين، ولصالح طرف معين. فكما أن هناك دينامية قوية اليوم في اتجاه فتح ملفات التجاوزات الحقوقية على المستوى السياسي، وذلك قصد الاقتدار على طيها عقلانيا، لا نسيانا وكبتا، فكذلك ينبغي أن يتم نفس الشيء بالنسبة لملف التجاوزات الحقوقية على المستوى الثقافي والسلوكي الاجتماعي.

 من هذا الباب وبهذا الاعتبار، لا يسع المرء إلا أن يهنئ الذين بادروا إلى إزالة خرقة الطابو عن المسكوت عنه في ميدان الخطابات الإقصائية مطالبين مطالبة رسمية بسد الفراغ القانوني في ذلك الميدان، قاطعين الطريق على كل من يحاول خلط الأنواع وتذويب هذا القبيل من العدوان الموصوف، الذي يقوم أساسا على الخطاب والمعاملة والسلوك، في سديم العموميات، كالحديث مثلا عن "الميز العنصري الطبقي ضد العمّال"، أو" ضد المعلمين" ،أو أساتذة الشهادة الفلانية، أو الصيادلة الفلانيين، على غرار ذلك الخلط الذي لحق مفهوم "حقوق الإنسان"، حيث أصبحت هذه الحقوق تعني كل شيء ولا شيء في نفس الوقت.

3-  تأكيد حقيقة التوقيع على العريضة

 وبناء على هذا الفهم، فإني أؤكد توقيعي على مبدإ سد الفراغ القانوني في هذا الباب، باب التمييز على أسس ملية أو إثنية أولغوية أو جهوية، واشكر بعض الزملاء الذين نصحوني – أمام ما لاحظوه من تلغيم الديباجة - بالاقتداء بمن "وقعوا عن طريق الهاتف" ثم تبرأوا من توقيعهم بعد ذلك كتابة على أعمدة الصحف لعبا على كل الحبال. وأعتذر لأولئك الناصحين في نفس الوقت موضحا بأني وقعت منذ البداية كتابةً، وعن طريق فاكس موثق، كما يفيد ذلك لفظُ  "توقيع" من الوجهة اللغوية، خصوصا وأنه لا يـُسمح لي بالعبث اللغوي والفتنة الدلالية من حيث صفتي، لأنني محسوب على حقل اللغويات، وذلك بقطع النظر عن مسؤولية المثقف في ميدان أبجديات بعض المفاهيم القانونية الأولية من باب التربية الوطنية، كمفهوم التوقيع الذي يلزم الذمة والمسؤولية والعهدة.

وإذ أفعل ذلك فإني أدعوا بالمقابل هؤلاء الإخوة وغيرهم إلى الانخراط المبدئي والعملي في المبادرة وإلى الانتباه إلى أن  الاستسلام لثقافة ردود الفعل وللحسابات السياسوية من شأنه أن يضع أصحابه خارج واجهة جديدة من واجهات الحداثة والمواطنة التي هي امتداد لميثاق أكادير الأمازيغي، ولخطاب غشت 1994، ولميثاق التربية باعتباره خطوة، وعلى علاته، ، وللبيان الأمازيغي وتتويجا بظهير أجدير التاريخي وبديباجته ذات الروح الدستورية الحداثية.

 

وأشير أخيرا إلى أن الواجهة القانونية في هذا الباب واجهة شكلية واحتياطية فقط، وتبقى الواجهتان الجوهريتان هما التربية والترقية الثقافية من جهة، والبحث العلمي في ميدان الرمزيات والاجتماعيات من جهة ثانية، قصد إرساء أسس وعي جديد بالذات وبأسسها في إطار مجتمع المواطنة ودولة الحق والقانون.



05/03/2016
3 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 343 autres membres