OrBinah

(En arabe). Ma propre lecture sémiologique de certaines allocutions funèbres dites en hommage à feu Abbas Al-Jirari (conseiller de SM et membre de l'Académie du Royaume du Maroc))

من أوجه الركوب على ذكرى الراحلين من أجل إعادة كتابة التاريخ

 

 

رحم الله الأستاذ عباس الجراري وخلّـد حقيقة ذكره.

 

تميّـز النصف الأخير من شهر فبراير 2024 بانعقاد ملتقيَـين متتاليين لتأبين الفقيد الراحل الأستاذ عباس الجراري. كان الملتقيان مناسبة لتقديم طيف متنوع الأساليب والمحتويات الوجدانية و/أو المعرفية من طرف المشاركين.

أدبيات الترجمة للأعلام ومناسبات الحديث عن مناقبهم - مهما كان حقل عَـلَـميّـتهم - كثيرا ما تعكس في الجوهر مجرّد خطاطاتِ رؤيةِ أصحابها لبعض الأمور، أكثر مما تكون منصبّة على شخصية العَلَم المعيّن من الأعلام في حدّ ذاته، تلك الشخصية التي تستحيل مناسبةُ الحديث عنها أحيانا إلى مجرد ذريـــعة/"بريتيكست" لإنشاء نصّ يبثّ في ثناياه مضامينَ منفصلةً عن المقام.

.

 

أولا أمسية تأبين بكلية الآداب-أكدال (23 فبراير 2024)

.

تمتْ مساء الجمعة 23 فبراير 2024 بمدرج الشريف الإدريسي بكلية الآداب-أكًدال بالرباط "أمسية تأبين المرحوم الدكتور عباس الجراري".

توالى على المنصة خلال تلك الأمسية عددٌ كبير من الأساتذة والأستاذات، استعرضوا مناقب الفقيد المعرفيّة والأخلاقية والمهنية خلال مشوار حياته المتعدد الأبعاد، وقدّموا شهادات، كلّ من موقعه القريب أو البعيد؛ بما في ذلك على سبيل المثال، الشهادة الحية التي قدمتها الأستاذة الصينية "لي نينغ"، مديرة معهد كونفيشيوس بالرباط بلغة عربية سليمة النطق والتركيب والمعجم. إنها كلمة انصبّت على شمائل الفقيد في التشبث بـ"الأصالة المغربية" (الأسرة، قيم السلوك اليومي) كما استخلصَتها الأستاذة من خلال مجرد أحاديث مع الفقيد على قصعة كسكس في منزله، والتي رأت فيها نظيرا للتقاليد في بلدها. وقد تأسفت الأستاذة على أن ترجمة أحد كتب الأستاذ الجراري إلى اللغة الصينية الذي كان مقررا أن يقدّم إليه له قبل أسابيع، قد حال رحيله المفاجئ من تمام تقديمه، فتمّ تأجيله إلى أجل قريب في معهد كونفيشيوس، حسب ما أفادت السيدة.

.

وفي إطار توالي استعراض الأخلاق والخصال الأكاديمية للفقيد، تميزت كلمة الأستاذ عمر أفــــــا في المجموعة الأخيرة (الذي نبّهه المسيّر، الأستاذ محمد الدرويش منذ البداية بأن له فقط 5-د بدل 10-د، استدراكا للوقت) باستشهاد الأستاذ أفـــا، في الباب، بقول من أقوال المرحوم الشيخ المنوني، ممّا يصدُق على المحتفى بذكراه، ألا هو:

1-    العِلمُ للعــــــــــــــــــلم، تلقيناً وتأطيرا ونشرا بين الناس. أي انّ العلم ليس لغاية الكسب، المادّي أو المعنوى، مهنياً ومشواريا؛

2-     العلم للوضــــــــوح. أي أنه ليس للتعتيم ولـليّ أعناق الكَلم بالتقعيرات المفاهيمية والمصطلحية

3-    العلم للتـــــــــواضع. أي أن ليس للغطرسة والعجرفة والتعالي؛

4-    العلم للكـــــــــــــرم؛ أي للنشر وللبذل، بدل الاحتكار والاكتناز والاستثمار في السوق.

.

وفي إطار المبدأين 1 و 3، كما تنعكسان على الأخلاق الأكاديمة للأستاذ عباس الجراري، جاءت كلمة أحد الطلبة القدامى الذين أطّرهم الفقيد منذ البداية إلى النهاية (بحث الإجازة، دبلوم الدراسات العليا، ثم دكتوراه الدولة). إنها كلمة الأستاذ عمر أمرير من المجموعة الأخيرة كذلك (الذي نبهه المسيّر بدوره إلى أن له 3-د فقط بدل 10-د، "استدراكا للوقت").

ركّزت كلمة عمر أمرير على ما عانى منه الراحل الجراري في بدايات مشواره بالجامعة المغربية في صفوف النخبة بشعب اللغة العربية خاصة، من مضايقات ومن استصغار للنهج الذي شقه الأستاذ لنفسه كمشوار، من إيلاء أهميّـــــــــــــة أكاديـــــــــــمية لما كان يعتبر حينئذ مجرد "فولكلور وأهـــــــــــازيج" (تسمية "الثقافة الشعبية" في أحسن الأحوال، مهما كانت لغتها الحاملة).

وقد سرد الأستاذ أمرير، في عجالة الدقائق المسموح له بها، معطياتٍ ملموسة حيّة حول تلك المضايقات حتى على مستوى الإدارة البيداغوجية بالكليات والشعب (تسجيل البحوث والأطاريح) وكيف كان الراحل يتجند شخصيا في الميدان لتذليل الصعاب. وقد أشار أمارير بالملموس إلى تجربة متاعب قبول تسجيل بحوث حول الشعر الأمازيغي بشعبة اللغة العربية في بداية السبعينات. ولم يفت الأستاذ المسير أن علق في ختام كلمة الأستاذ أمرير بقوله "لا فرق بين أمازيغي و ... إلّا بــ..." (!). إنها المضايقات التي لم يفُـت حرمَ الأستاذ الجراري، الأستاذة حميدة الصايغ-الحراري، في كلمة الختام أن تقف عندها من جهتها.

 

ثانيا: أمسية تأبين بالمكتبة الوطنية للمملكة المغربية (01 مارس 2024)

.

الحفل التأبينيّ الثاني تمّ يوم فاتح مارس 2024 بالمكتبة الوطنية للمملكة المغربية. حفل شاركت فيه شخصيات وازنة وقُدمت خلاله كلمات رصينة غنية بمادتها الشهادية الملموسة؛ لكن، اعترته كذلك بعض الأصوات الأيديولوجية، التي لا يليق نشازُ بعض مفردات قاموس بعضها ("الظهير البربري") ومحاولة البعض الآخر إعادة كتابتها لتاريخ ما يزال حيا في ذاكرة الجيل، أبدا بمقام تأبين الفقيد، وهي بعيدة كل البعد عن الوفاء لذكر ولحقيقة مشوار الفقيد ومواقفه وخصاله.

.

ففي إطار التعربف بالصالون الفكري/الأدبي "النادي الجراري"، منظم حفل التأبين، والذي سيحتفل بالذكرى بعد ست سنوات بالذكرى المئوية لتأسيسه على يد المرحوم عبد الله الجراري والد المرحوم عباس الجراري وردت في إحدى الكلمات إشارة إلى أن ذلك التأسيس قد تمّ بالضبط في إطار التصدّي لـما سمّاه صاحب الكلمة بـ"الظهير البربري". إنه نموذج أول لما أسميتُه أعلاه بمحاولة إعادة كتابة تاريخ ما يزال حاضرا في ذاكرة الأجيال من أجل تلغيم الحاضر بما تمّ إنجازه فيه مؤسسيا ودستوريا وتطوّرا في الذهنيات.

فالعودة إلى إعادة تحميض تلك التسمية ("الظهير البربري") والعمل على تأبيدها في الأذهان، ينطوي في حد ذاته - بقطع النظر عن المضمون القانوني للظهير في وقته، وبعيدا عن النادي الجراري - على تطاول خبيث، باسم الوطنية، على مؤسسات الدولة المغربية. فالظهير المعني من إصدار وختم عاهل المملكة المغربية، ولم يُصدره لا بربرٌ ولا تماسيحُ ولا عفاريت.

.

في كلمة أخرى مكملة لنفس مرمى ما سبقت الإشارة إليه، لم يجد صاحب الكلمة من زاوية يتحدث من خلالها عن الفقيد المُحتفى بذكراه - ممّا عدا توجيهاته الخاصّة من أجل ضمان استمرارية النادي الجراري (ربّما حرصا على ألا توضع عليه يد) - سوى العودة إلى كلمة عُمر أمرير بالضبط التي ألقاها قبل أسبوع في حفل تأبين المرحوم بكلية الآداب.

فقد أحال المشارك على أمرير بالاسم، وهو حاضر قائلا ما فحواه بالمعنى لا بنص اللفظ: "إن ما يتم ترويجه من أن الأمازيغية كانت من الطابوهات زعم لا أساس له. والدليل على زيفِ ذلك الزعم ذلك هو قبول الأستاذ الجراري الإشرافَ على بحث الطالب بمجرد أن سأل الأستاذُ الطالبَ عمّا إذا كانت في الأمازيغية قصائد ذات نفس وطني و/أو إسلامي فأجاب الطالب بالإيجاب".

شرح الواضحات من الفاضحات كما يقال. لكن الرهان على غفلة مفترضة لدى السامعين يقتضي شرحا سيميولوجيا بلاغيا من باب علم المعاني باعتبار أن لكل كلام منطوقَه ومفهومَه. مفهوم الكلام السابق يرتد في النهاية إلى أن الاهتمام بالأمازيغية منحى مدان إلى أن تثبت براءته بإشهاد. وهو ما لا يصدق على من اقترح موضوعا لبحثه بالعربية أو بلغات أجنبية حول الغزل أو حتّى الغلمانيات وما شابه ذلك.

هنا يلتقي مفهوم هذه الكلمة بمفهوم الكلمة السابقة التي ربطت تأسيس النادي الجراري بالتصدّي لـ-الظهير البربري، وذلك باعتبار الكلمتين تندرجان في محاولة للـكــــــرّ بعد الفــــــر لإعادة كتابة تاريخ ما يزال حاضرا في ذاكرة الأجيال، من أجل تلغيم الحاضر بما تمّ إنجازه فيه مؤسسيا ودستوريا وتطوّراَ في الذهنيات.

وتجدر الإشارة أخيرا إلى السكون الرهيب الذي قابل به جمهور الحاضرين هذه الفقرات التي تستغفله. فعلى العكس من حالة تعاطف الجمهور مع فقرات كلمات كثير من المشاركين، التي كان يقاطعها بتصفيقات حماسية متعاطفة، خيّم سكون ثقيل وصمت رهيب على القاعة خلال تقديم فقرات "الكــــرّ بعد الفــــــرّ"، وفي ذلك عبرة لمن يريد أن يعتبر.

-----------------ا----------------

محمد المدلاوي

https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques



03/03/2024
4 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 343 autres membres