OrBinah

(En arabe) Lexicographie berbère/amazighe dans le contexte sociolinguistique marocain

اللغتان الأمازيغية والعربية، والصناعة المعجمية

 

 

 

1-  الصناعة المعجمية صناعة مثلُ جميع الصناعات. وكل صناعة تقوم بتحديد طبيعـــــــــــة وشـــــــــــكل المادة المصنوعة بناء على الوظائــــــــــف الاستعمالية المتوخّاة لتلك المادة. هذه الوظائف تحددها، بدورها، نوعية الطلــــــــب في السوق المعنية. هذه السوق هي السوق السوسيو-لغوية  في حالة الصناعة المعجمية. وبناء على تلك المحدّدات، يتحدد شكل بناء المعجم المعين، ما بين معجم وحيد اللغة، ومعجم تقابلي بين لغتين. في الحالة الأولى يتمّ التمييز ما بين معجم عــــــــــــام، ومعجم مصطلحــــــــــــات حسب ما هو قائم من العلوم ومن المهارات التقنية والمهنية القطاعية.

 

2-  معاجم المصطلحات تكون ذات حمــــــولة معرفيّـــــة ميـسّـرة (vulgarisation) في العلم المعيّن أو في المهارة المعينة؛ وذلك من خلال شرح مفهوم المصطلح المعيّن وإعطاء أمثلة لترسيخ ذلك المفهوم معرفيا في الذهن ضمن شبكة المفاهيم العلمية التي يندرج المفهوم في إطارها (تعريف مصطلح /ذرّة/ مثلا في علم الفيزياء، أو /فونيــــــم/ في علم الفونولوجيا). معنى ذاك أن ذلك القبيل من المعاجم يشكل في نفس الوقت وجها من أوجه تيسر ونشر المعرفة بالعلم المعين (معجم  لاروس مثلا: Dictionnaire de linguistique)، وليس مجرد معرفة لغوية بألفاظ/مفردات غالبا ما تكون مستحدثة التوليد، يؤتى بها "إرادَويّا" كمقابلات لمصطلحات معارف/علومُ/تقنيات مفاهيمُها لم تستقر بعد في أذهان ثقافة اللغة المنقول إليها.

أما المعجم العام، فيعطي المعلومات الإملائية والتلفظية والصرفية (صيغ الجمع للاسم، وصيغ الالكيف والزمن بالنسبة للفعل ) والتركيبية للكلمة،[i] قبل أن يُشرع في شرح معناها أو معانيها الحقيقية والمجازية (معنى /تيـــطّ/ مثلا في اللغة الأمازيغية "عينٌ") مع إعطاء أمثلة للاستعمال من خلال جُمل تامّة ومن خلال ما يكون هناك من عبارات مسكوكة (locutions).

 

3-  أما المعجم التقابلي، الذي يقابل بين لغتين (مثل "المعجم العربي-الأمازيغي" لمحمد شفيق)، فأول ما يتعين تحديده قبل الشروع في إنجازه هو تقرير أيّ اللغتين تُتخذ مفرداتُـها  كـمداخل/موادّ معجمية (entrées lexicales)  تُرتّب ترتيبا ألفبائيا لتسهيل البحث في المعجم على المستعملين، بينما يؤتى بمفردات اللغة المقابلة كمفردات ترجمة، ويُكتفى فيها بإعطاء حدّ أدنى من المعلومات الصرفية، مثل صيغة/صيغ الجمع بالنسبة للاسم، أو صيغة المضارعة بالنسبة للفعل في حالة الأمازيغية كلغة مترجم إليها.

هذا ما نجده مثلا في "المعجم العربي-الأمازيغي" لمحمد شفيق في مدخل/مادة كلمة /عيـــــــــن/ العربية بمختلف معانيها التي ساقها تباعا موردا مقابلها بالأمازيغية. ففي المدخل الفرعي: /العيــــــن الباصرة/ أورد شفيق المقابل الأمازيغي /تـــــيــطّـ/ ثم أتبعه بما يلي كحد أدنى من المعلومات الصرفية على الشكل الآتي: [تيــــــطّ؛ ج. تيطّاون، تيطّاوين، تاطّاوين؛ ألـّــــن (جمع لا مفرد له من لفظه)].

 

4-  مسألة تقرير أي اللغتين تتخذ مفرداتُها كمداخل ألفبائية في المعاجم التقابلية أمرٌ متوقّف على الحالة السوسيولغوية للفئة/الجمهور المستهدف كمستعمِل للمعجم التقابلي (جمهور وحيد اللغة أو مزدوج اللغة بدرجات متفاوتة). ذلك ما تناوله المستمزغ الهولندي "فان-دن بوخرت" في مقدمة كتابه حول المعاجم المزدوجة، عربية-أمازيغية، المعروفة بـ"المــــازغي" أو "كشف الرموز" في كتابه-1998 (ابتداء من ص: 13).[ii]  تلك المعاجم التي كانت موجّهة أساسا لاستعمال فئات العدول والموثقين وممارسي التطبيب والصيدلة التقليديَـين من مزدوجي اللغة (تاشلحيّت كلغة أولى ولغة يومية للمحيط، والعربية الفصحى كلغة قطاعية لدى النخبة).[iii]

ولعل محمد شفيق قد استحضر هذا الأمر لما عزم على إنجاز "المعجم العربي-الأمازيغي" الذي قضى في إنجازه عشرين سنة، وذلك من منطلق معرفته بالوضع/المشهد السوسيولغوي المغربي، وكذلك باعتباره رجل تربية وبيداغوجيا، فقرّر أن ينظّم مداخل مادة معجمه التقابلي على أساس الترتيب الألفبائي للمفردات العربية.

 

5-  فما هي الفئة الغالبة اليوم في باب طلب حول معجميات الأمازيغية، وما هو اتجاه طلبها؟ الطلب اليوم كبير، وهو في اتجاه الانطلاق من مفردة أو عبارة (عناوين، لافتات...) من لغات مختلفة، وعلى رأسها العربية، والبحث لها عن مقابل باللغة الأمازيغية. إنه اتجاه لا يستجيب لتلبيته سوى أمثال نموذج معجم محمد شفيق، أي المعاجم التي تنظم المادة المعجمية تنظيما ألفبائيا على أساس مفردات لغة عربية أو أجنبية حاضرة في المشهد اللغوي المغربي، ومقابلة تلك المادة بما يناظرها في الأمازيغية.

لم تجرَ بعدُ دراسات سوسيولغوية جدّية في هذا الباب، ولكن يكفي الرجوع إلى بطاقات طلب الخبرة ممّا يرد على المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية من مختلف الأطراف، أفرادا ومؤسسات، و/أو الرجوع كذلك إلى صفحات ومواقع الشبكات التواصل الاجتماعي للتأكد من أن الطلب يسير في ذلك الاتجاه بشكل مضطرب التعبير أحيانا في لغته ("ما ترجمة كذا بـتيفيناغ؟"، "ما معنى الهزيمة باللغة بالأمازيغية؟"، "mamc a nini samH ayi s-trifct?"، الخ.).

معنى ذلك أن الطلب القائم اليوم ومنذ عقود يترجم رغبة في استعمـــــــــــــــال اللغة الأمازيغية من طرف فئات إما أنها تجهلها كلية، أو أن لها بها معرفية ناقصة مضطربة مرتبكة بفعل الظروف السوسيولغوية، وتحاول - انطلاقا من اللغة التي لها بها معرفة أسلمُ كثيرا أو قليلا - أن تكتسب المفردات الأمازيغية من اكتسابا بدئيا، أو تستردها بعد نسيان و/أو اضطراب سوسيو-لغوي.  

 

6-   وفي هذا الباب تتمثل أولى المهامّ التي أسندها الظهير الملكي المؤسس للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في ما يلي:

أ- [تجميع وتدوين مختلف تعابير الثقافة الأمازيغية، والحفاظ عليها، وحمايتها، وضمان انتشارها]؛

ب- [القيام ببحوث ودراسات في الثقافة الأمازيغية وجعلها في متناول أكبر عدد من الأشخاص وتشجيع الباحثين والخبراء في المجالات المرتبطة بها]؛

 

بالنظر إلى نوعية/اتجــــاه طلب المعرفة المعجمية، كما تمت الإشارة إليه في النقطة-5 أعلاه، يظل ضمان ذلك الانتـــشـــــار للأمازيغية "وجعلُها متناول أكبر عدد من الأشخاص" رهينا - في ظل الوضع السوسيولغوي القائم – بتوفير نوع معجم محمد شفيق المشار إليه، خصوصا في ما يتعلق بالمعجم العامّ الذي من خلاله تستردّ اللغة متنها العادي الأساسي. غير أن المفارقة قد تمثلت في أن أول معجم تم وضعه من سلسلة المعاجم القطاعية التي وضعتها مؤسسة معهد الإركام هو معجم المصطلحات الجيولوجية! وإذا ما أضيف إلى ذلك ما طبع إصدارات تلك المؤسّـسة من جنوح منهجي قطعي إلى ما يمكن أن يسمّى بـ"التطهير المعجمي" (رفض أي مقترض قديم راسخ، أو مستحدث مستعمل، من أي لغة أخرى مهما كانت) واللجوء بالتالي إلى الإفراط في توليد المولّدات بشكل اعتباطي غريب لا يحوز ما يكفي من الشفافية الاشتقاقية، يمكن فهم ما تمّت الإشارة إليه من نوعية ما يروج من طلبات في شبكات التواصل الاجتماعي ("ما معنى سلّم في الأمازيغية؟ ما معنى موناضل في لغتنا الأمازيغية الجميلة؟ ...).  

-----------------------

محمد المدلاوي

https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques

 



[i]   من ذلك مثلا في حالة المعجم العام للعربية، إعطاء الصيغ الصرفية السماعية من قبل حركة عين المضارع لبعض الأفعال الثلاثية التي لا تخضع عين المضارعة لقاعدة مطّردة (ضرَب ــِــ؛ في مقابل كتب ــُـــ) أو صيغ جمع التكسير (جبَـــلٌ/جبال؛ في مقابل قلَـمٌ/أقلام).

ونفس الشي بالنسبة للصيغ الأربع للفعل في الأمازيغية: 1-التــامّ/Accompli، و2-التامّ المنفي/Accompli négatif،  والتامّ المنصوب/،Aoriste واللاتامّ/Inaccompli من قبيل 1-لسا "لبِـسَ"، 2-لسي، 3-لس، 4-لسّا  (هناك من الأفعال ما تستوي فيه الصيغ الثلاث الأولى، مثل 1-لاس "جزّ"، 2-لاس، 3-لاس، 4-تّلاس)؛ وكذلك بالنسبة لصيغ جمع الاسم (مثل: ازركًـ/يزركًان "رَحىً/رِحِيّ" في مقابل ازكًـر/يزكًارن "ثور/ثيران").

 

[ii] Van den Boogert, Nico (1998) . "La révélation des énigmes". Lexiques arabo-berbères des XII et XIII  siècles. Travaux et Documents de l’IREMAM. N° 19. Aix-en-Provence.

 

[iii]  انظر ما يلي في ما يتعلق بأدبيات "المـــــازغـــــــي":

المدلاوي، محمد (2012) رفع الحجاب عن مغمور الثقافة والآداب، مع صياغة لعروضي الأمازيغية والملحون. منشورات المعهد الجامعي للبحث العلمي. الرباط. (ص: 19-84).

Elmedlaoui, Mohamed (2016). “La tradition ‘Almazghi’ dans le Sous (Maroc) : caractéristiques linguistiques et fonctions socioculturelles du code". Etudes et Documents Berbères, n° 35-36 (2016). Pp 243-262. La Boite à Documents. Paris.

 



31/05/2021
2 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 343 autres membres