OrBinah

(En arabe) Le prix de la liberté et du protectionnisme à l'échelle de l'individu

كُلفة  الحرية والاحمتائية على مستوى الفرد.

 

 

 

لفضيلة الحريّة، على مستوى الفرد، ثمن؛ وللحماية والاحتمائية بدورها ثمن. ثمنُ الحرية، كفضيلة قائمة في وعي الفرد، وليس كشعار ولا منحة على شكل عِتق، هو أن الفرد يجد نفسه مـــــنبـــتّــا يواجه مصيره (ظروفاً، وحقّاً ومسؤوليةً، ومبادرة، وسلوكا، وقولا، وتفكيرا) وجها لوجه في عزلة بمفرده في كل لحظة.

وللحماية على مستوى الفرد مزايا يُمكن تشبيهها بمزايا "التبن والراحة". و"التبن" هنا كنايةٌ عن الزاد المعنوي الأخلاقي الزهيد عند الفرد؛ أما "الراحة" فتتمثل في شعور دائم بوجود ضمان وجودي، فعلي أو وهمي، ضد العوادي، واطمئنانٍ غامض إلى وعد أو وعود غير موصوفة.

 

 

وتتمثل الحماية صورياً، على مستوى الفرد، في الانخراط العفوي الفطري الطبيعي، أو الانخراط القائم على أساس خطة وقرار واعيين، في مختلف أشكال الماهيات العشائرية/الهوياتية و/أو التنظيمية. وثمنُ تلك الحماية هو إرجاء دائم للمبادرة الحرّة - على مستوى القول، وحتى على مستوى إعمال ملكة التفكير في مختلف الأمور أو مجرّد التعبير الصادق عن المشاعر - إلى أجل غير مسمّىً، أي أن الفرد يكون تمّ ترويضه و/أو روّض نفسه على الخروج الدوام من لحظة وجوده كفرد مفكر، حرّ، ومبادر مسؤول. هذا يسفر، في جُماع حاصل الوضعية، عن حالة انفصامية لا تقل شقاء عن شقاء عبء عُزلة الحرية؛ انفصامية قد تتخذ أشكالا تراجيدية في الأحوال التي يضطر فيها الفرد المحتمي إلى العصيان والانشقاق تحت مسميات مختلفة، واستبدال عشيرة بعشيرة، بدعوى انحراف الأولى أو بسبب تبدّد بعض الأوهام المنتظرة.

.

وكلـّما كانت قيمُ ونظـُم الحماية هي السائدة في مجتمع، كلما قلت فيه حظوظ تصوّر الفرد المدني الحرّ كإمكانية وجود مدني. فكُل من ليس منخرطا معك - في مثل تلك المجتمعات - يُعتبر بالضرورة ضدك انطلاقا من موقع عشائري من المواقع؛ ويبقى فقط معرفة ذلك الموقع. وحينئذ، ولمعرفة ذلك الموقع، تشتغل آلة التصنـــيـــــف كخُطاطة ذهنية ثقافية لفهم المحيط، بناء على سيميولوجيات مختلف "القرائن"، قرائن القول، والمبادرة، والحضور أو الغياب هنا أو هناك، والزيّ والهندام، الخ. لكن عيبَ اشتغال هذه الآلة التصنيفية يتمثل في أنها تسفر في جُماعها، في الحالات غير القابلة موضوعيا للتصنيف، عن تصنيفات سوريالية: أي التصنيف المعيّن ونقيضه في نفس الوقت ولنفس الفرد، بحسب موقع صاحب التصنيف، وبناء على "القرائن" التي تعنيه وعشيرتَه.

 

تذكرت هذه الرؤية الشخصية للأمور، بمناسبة حدثين حصلا لي شخصيا مؤخّرا في ظرف أسبوع في بعض الشبكات الاجتماعية، لمّا اقتحم صفحتي شخصان لا أعرفهما (وتربطهما رابطة من خلال إحالة أحدهما على الآخر) ملوّحين بما أسموه بـ"ملف السيرة" الذي يدعيان حيازته، وزاد أحدهم تهديدا عدوانيا أورد كنموذج له صورةَ اعتداء دموي سابق على أحد الأشخاص ممّن لا يروقهما؛ وهو ما ذكرني من جديد بتهديد جدّي، هذه المرة، عن طريق الهاتف لمرتين في ظرف أسبوع يعود إلى سنة 2010، بـ"تنفيد حكم الشعب" في الخونة  المتصهينين؛ وهو ما فضلت حينئذ ألا أقيم حوله "ضجة" في صحافة الإثارة واكتفيت برفع شكاية ضد مجهول، فتمّ الاستماع إليّ مطولا من طرف المصالح المعنيّة.

وإذ من بين المُعطيات الشخصية، التي ليس لصاحبها في قيامها فضلٌ ولا ذنبٌ (بحسب اعتبارات مصدري أحكام القيمة)، أنني وجدت نفسي شخصيا، ومنذ أزمنة وظروف النشأة الأولى، من فئة أهل وضعية "الشعير والفضاحة"، في مقابل وضعية "التبن والراحة" المومإ إليهما أعلاه بخصوص الحرية والاحتمائية. فقد تذكرت كذلك تجارب متفاوتة الدلالة شكّلت محطـّات مشوار، أقتصِرُ منها في الذكر على ثلاثة:

 

1-  في مستهل ثمانينات القرن الماضي، دعيت من مدينة بعيدة حيث كنت أشتغل، وذلك للمشاركة في أعمال لجنة من اللجن الأكاديمية بالعاصمة كانت مكلفة بتحضير ندوة دولية حول اللسانيات. ولجت سقيفة في مكان لعلـّه مقر كلية العلوم التربوية حاليا (لم أكن أعرف مواقع العاصمة حينئذ) فوجد قوما مجتمعين حول مائدة طويلة قسّمتْـهم إلى صفين متقابلين. أشار عليّ على التوّ أشخاص أعرفهم، من كلا الصيفين، بأخذ مقعدٍ لي في ذلك الصف. فهمت على التوّ، من خلال تصفّح الأوجه، أن هناك تقاطبا واضحا بين عشيرتين، فأخذت مكاني بين الصفين على رأس الطاولة، المقابلِ للمسير في الطرف الآخر. تأكّد لي بعد ذلك التقاطبُ الحادّ والصاخب بين "العرب والعجم" حول نقطة لائحة المدعوين، فلزمت الصمت والحياد أراقبُ الجهد المضني الذي كان يبذله الأستاذ عبد الجيليل الحجمري بصفته مسيّرا لاحتواء صخب ذلك التقاطب والحيلولة دون تفجّر اللقاء.

كان لموقف "المنزلة بين المنزلتين" من ذلك التقاطب، فيما بعد، انعكاس مصيري على حظوظ تسجيلي لرسالة "ديبلوم الدراسات العليا" المعمول به حينئذ، وذلك بشكل غيّر مجرى مشواري المهني بشكل جذري، كان فيه خيرٌ كبير، وإن كان قد حصل في عناء وكـبَـد، في غُربةٍ خارج البلد.

 

2-  في سنة 2003، وبينما أنا في الطريق إلى تارودانت عبر مراكش في سيارتى برفقة الأستاذ عبد الصمد بلكبير لأزور الوالد رحمه الله على إثر سقطة شيخٍ وجدته توفي على إثرها، فإذا بي أتلقّى مكالمة من الأستاذ محمد شفيق أطال الله عمره، وهو حينئذ عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الذي كنت قد التحقت به قبل سنة كباحث في إطار "الإلحاق".

أخبرني بأنه يريد الحديث معي في مكتبه في شأن "ذاك الماقال الصوحفيّ الأخير"، فظننت أن الأمر يتعلق بمقال لي نشر في نفس الأسبوع بعنوان "الأسئلة المغيبة في النقاش حول حرف كتابة اللغة الأمازيغية" (في إطار ما كان قد عرف حينئذ بـ"حرب الحرف). حضرت إلى مكتب العميد فور عودتي من مراسيم دفن الوالد رحمه الله، فرحب بي ثم توجه للتوّ إلى الخزانة الحديدية وأخرج منها ملفا أصفر وقال لي:

"يو هاداك السيد راه ستدعيتو، وطلبت منّو يوقّع لي الاستقالة ديالو فالحين؛ وهاهيّا قراها ... ولكن كا نشوف بلــي المؤسّاسة عاد بدات، وما بغينا-شي تبدا بالاستيقالات. يلا جات على خاطرك، غادي نستدعيه ويقدم ليك الاعتذار ديالو هنا قدّامي فالمكتب ديالي".

لم أفهم شيئا، أنا الذي كنت أعتقد أن الأمر يتعلق بمقالي حول الحرف، بالرغم من استغرابي المضمر أن يكون شخص من عيار الأستاذ شفيق، بصفته الإدارية، سيثير معي أمرا يتعلق بآرائي الصحفية. بيّن لي الأستاذ بعد ذلك أن الأمر يتعلق بأحدهم ممن كان يشتغل بدوره في المعهد كان قد نشر قبل أيام مقالا صحفيا في صحيفة "اكًراو امازيغ" يقول فيه من بين ما يقول:

 

«Que vient faire à l’IRCAM ce Fassi dit Elmedlaoui de l’Institut d’Arabêtisation?» (هكذا!)

 

بيّنتٌ للأستاذ أن ذلك لم يبلغني؛ وأني لست مستعدا لتلقي أي اعتذار، وأني أفضل أن يقوم هو بما يراه ويمليه عليه صالح المؤسسة؛ أما أنا فسأكتفي بالخروج للتو للحصول على عدد الصحيفة للاحتفاظ به في أرشيفي؛ وكذلك انتهت الواقعة؛ إذ رفضت الاعتذار، وأمسكت عن الردّ واتخاذ الواقعة طـُعمة صحفية من باب الإثارة التي تتهافت عليها الصحافة حينئذ على الخصوص، وما تزال.

 

3- سنة بعد ذلك، أي في سنة 2004، بادرت - وأنا أشتغل دائما بمعهد الإركام الذي لم أغادره سوى سنة 2006، بعد استعفاء الأستاذ شفيق من مسؤولية العمادة وإقدام العميد الجديد على فسخ عقدة التحاقي فلم أتخذ من ذلك مرة أخرى مادة إثارة صحفية - بادرت بالتقدّم بملفّ "مشروع مؤسسة" إلى مباراة إدارة معهد الدراسات والأبحاث للتعريب، الذي لم يسبق لي أن اشتغلت فيه، لا كـ"فاسي" كما شُبه للمصنِّف  الإركاميّ المذكور، ولا كسوسي كما يصنّف الآخرون، بالرغم من أني قدمت فيه عدة محاضرات حول قضايا لسانية تتعلق بكل من العربية والأمازيغية.

ومن طرائف تفاصيل تلك المباراة، التي لم يبتّ رسميا في أمرها إلى يومنا هذا (2017) وذلك بعد إجراء جميع مراحلها واختيار الثلاثة من أصل عشرة وإجراء هؤلاء للبحث الإداري المعمول به في المصالح المختصة، أنه بعد تمام العرض في المقابلة الشفهية أمام اللجنة وتعقيبِ أعضائها وطرحِهم لأسئلتهم، كان هناك سؤال أخير سعدتُ كثيرا بطرحه وشكرت طرحه على صراحته، إذ أنه قال عاليا ما يهمس به الكثيرُ همسا على شكل المضمون الأتي:

"اسمح لي آ-السي المدلاوي نطرح عليك واحد السؤال هوّا خاريج اعتيبارات تقويم العرض ديالك غير من باب الفضول الأخاوي. كا نعرفو بلـّـي السي المدلاوي باحيث ليساني متعدد اللوغات؛ ولكن كانعرفو كذليك بلـّي السي المدلاوي كا يشتاغل على الأمازيغية، بل يعمل فالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. واش يمكن ليك تقول لينا اشنو هيّا الدوافيع اللي جعلتك تتقدّم، معا كلـّـشي هذا الخلفيات للموباراة ديال إدارة معهد الأبحاث والدراسات للتعريب؟"

كان جوابي تلقائيا وفي سعادة بالفرصة، هو قولي بعد الشكر بصريح العبارة ما يلي معناه وربما لفظه:

"للجواب على هذا السؤال الجميل وجهان: وجه جوهري، ووجه بلاغي ذو دلالات خارجية. فأما الوجه الجوهري، فيتمثل في أن الذي دفعني إلى التقدم لتقلد تلك المسؤولية الإدارية هو أن لديّ تصورا حول تسيير المؤسسة، هو التصور المعبّر عنه من خلال "مشروع المؤسسة" الذي تقدّمت به كتابيا، وهو بين أيدي أعضاء اللجنة، وقدمت عنه على التوّ عرضا شفهيا؛ وأمّا الجانب البلاغي ذو الدلالة، فهو أن أحدهم من العاملين بمعهد الإركام حيث أشتغل الآن، كان قد طرح قبل سنة فقط على أعمدة الصحافة تساؤلا عن "ماذا جاء يفعل في معهد الأمازيغية ذلك الفاسي المسمّى المدلاوي والقادم من معهد "الأرابيــتيزاسيون".

 

{من ليس معي، فهو ضدّي؛ ومن لا يجمع معي، فهو يفرّق} !!!. إنجيل لوقا: 11- 23

 

أختم هذه الاعترافات بتنويه شخصيّ صادق بمؤسسة "المعهد الجامعي للبحث العلمي" إدارة وزملاء؛ إذ هي المؤسسة الوحيدة التي قضيت بها قرابة عقد من مشواري المهني بعيدا عن خطاطات التصنيف.



23/11/2017
1 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 343 autres membres