OrBinah

(EN ARABE) Je te donne un nom; donc tu existes

Si la graphie arabe ne s'affiche pas correctement, aller dans la barre de menu en haut de la page, cliquer sur le bouton AFFICHAGE, puis sur CODAGE, puis sur PLUS/AUTRES, puis sur ARABE(Windows).

 

 

حــرب الإســم

أنا أُسَــمّــيـــك، إذن فأنت موجود

 

Pour une version en français, cliquer ICI

 

 

 

 

مرة أخرى أستوحي مقالة صحفية أخيرة من مقالات الزميل شرف الدين ماجدولين لأحرر فكرة تتقاطع عبرها انشغالاتنا الفكرية معا. إنها مسألة ما عنونته مقالة الكاتب بـ"اسم ومُسمّىً" (صحيفة "العرب" اللندنية 25 يونيو 2014).

 

إطــلاق الإســـم

إطلاق الاسم والتلفظ به فعلان موجبان فاعلان تتداخل فيهما - متكاملةً أو متنافيةً - دلالاتٌ كثيرة؛ أهمُّها التملك، أو الاعتراف بالوجود، أو الحِجْر أو الاستخلاف على المسمّى؛ وذلك حسب موقعَي كلّ المسمِّي والمسمَّى.

ولذلك، فلما استخلف الله آدم على الكون، علـّـمه الأسماء كلها كمستند من مستندات ذلك الاستخلاف {وعلـّـم آدمَ الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة} (البقرة). ولذلك أيضا، ما أن يهمّ الإنسان بتملك فضاء أو غرَض أو حتى شخص آخر من نوعه حتى يُطلق عليه من عنده على التوّ اسما من الأسماء. فالأمم الفاتحة (فتحا حربيا أو تجاريا أو غير ذلك) تطلق أسماءً من عندها على فضاءات فتوحاتها (أغلب أسماء الأعلام المكانية تسميات من من الخارج)؛ ومن ولد مولودا يطلق عليه للتّو اسما معينا (ليس هناك من يسمي نفسه بنفسه). بل إن أول ما يقوم به من اقتنى عبدا أو أمة هو إطلاق اسم جديد على مُشتراه، عنوانا على تملكه إياه. فقد كانوا يطلقون في المغرب مثلا أسماء تيــمُّـنية على العبيد والإماء فور اقتنائهم، وذلك مثل مسعود/ة، مباركـ/ة، ميمون/ة، فاتح/ة جوهرة، الخ.، ليكون ذلك عنوانا سميولوجيا وسيكولوجيا على الوجودية الجديدة للمسمّى التي تجُبّ ما قبلها جبّا، وعنوانا على تملك المالك الجديد لمُمتَــلـَـكِه، أقوى من أي مستند عدلي توثيقي للبيع والشراء.

 

لعنة محو أو انمحاء الإسم

وقد تميزت أدبيات الفكر اليهودي، في باب هذا الربط بين وجودية الكائن واسمه، أنّ أقصى وأقسى أوجه "الدعاء بالشر" فيها (بالرغم من ندرة هذا القبيل من الأدعية فيها بالقياس إلى ملل أخرى) هو قولهم  ימח שמו (يـمّاح شــمو)، أيْ "محا الله اسمَه!". وأبرز التجليّات التاريخة لذلك الربط الاعتباري بين الوجود والاسم في أدبيات هذه الملة هو ما آل إليه اسم "إيليشاع بن أبويا"، تلك الشخصية التلموذية البارزة التي اعتبرها الربّيون مارقة ضالة، خارجة عن الإجماع، فكانت اللعنة هي أن أرسى الرببون ورسخوا تقليـدا أدبيا يمنع ذِكرَ تلك الشخصية باسمها في أدبيات تاريخ الفكر الربّي اليهودي، حيث أصبح يُحال عليها بـمجرد صفة אחר (أحير)، أي "الآخــر"؛ وذلك نفيا اعتباريا أو سحريا لوجودها الأنطولوجي والتاريخي.

 

كتمــان الإســم

وفي نفس المنطق السيميو-أنطولوجي، لكن على مستوى آخر وفي اتجاه آخر، يندرج كتمان الاسم الشخصي، بل حتى الصفة، بالنسبة لكل المرجعيات التي يسعى الكائن المعين أوالثقافة المعيّنة بشكل انفصامي إلى نفي وجودها، أشياءً كانت تلك المرجعيات (كل ما يتعلق بالجنس وبأعضاء الجنس) أم أشخاصا.

فــ"الزوجة" مثلا في بعض الثقافات، لا تتم تسميتُها على لسان الزوج ولا يذكرها غيره بحضوره، ولو بمجرد صفة وضعها كزوجة (مراتـ'ـك، مراتـي)، ودَعك عن التلفظ باسمها الشخصي؛ إذ يُحال على ماهيتها إما بـ"الحرَم"، أو "العقيلة"، أو "مُّــاليـن الدار"، أو "الدراري"، أو "السيدة ديالك" "المادام ديالي"، الخ. حسب درجة البعد والقرب بين أطراف الحديث.

ومن جهة ثانية، ومن حيث الوجه الآخر لذلك الربط الأنثروبو-ثقافي بين النطق بالاسم من جهة، ومختلف نوعيات ودرجات العلاقة بين المسمِّي والمسمَّى (مساواة، حميمية، تفاوت، تملك) حسب المواقع الاعتبارية من جهة ثانية، تميز الفكر الربي اليهودي مرة أخرى بأنه، ابتداء من المرحلة التي قدّر فيها الربيون بأن شعب إسرائيل قد أثِـم إثما عظيما في حق الميثاق بينه وبين الله، حرّم أولئك الربيون التلفظ بألفاظ اسم الجلال كما هي مُسطرة كتابيا في التوراة (אלהים إيلوهيم، אלקים إيلوقيم، יהוה يهوفا")، وأفتوا بضرورة الاكتفاء بالنطق بمجرد لفظ השם (هاشيم) (أيّ "الاسم")، أو باللقب אדונאי (أدوناي) ("مولانا") كلما ورد اسم الجلال في النصوص أو عرَض الصلوات أو الأدعية.

هذه الثقافة في التعامل مع لفظ الاسم بصفة عامة، حينما تكون العلاقة علاقة تفاوتية بين صاحب الاسم من جهة، ومستعمله الممكن من جهة ثانية، ثقافة تجد لها استعمالات أوسع في كثير من الأطر المؤسسية الاجتماعية والأنثروبولوجية المقـنـنة عرفيا، وكذا في مؤسـسة الإعلام بجميع أشكاله عبر التاريخ.

 

تغيـيــر الإســم

نظرا للعلاقة الوطيدة، من النوع المشار إليه، ما بين مؤسسة الإسم/التسمية من جهة على المستوى اللغوي، وواقع الوضع/الوضعية من جهة ثانية على المستوى الاعتباري، كثيرا ما تؤدي الانفصامية الناتجة عن مختلف أوجه عدم الارتياح إلى وضعية وعيٍ وجوديٍ شقي إلى تغيير الاسم في اتجاه أو في آخر. فحجب اسم بصفة كلية واستبدال اسم آخر به، أو مجرد ترخيم ذلك الإسم أو قبول ترخيمه من من طرف خارجي وتبني ذلك الترخيم (عبد الله = عبدو؛ فاطمة = فاتي؛ بنسعيد = سعيد، الخ.) إراء من بين الإجراءات التي يلجأ إليها ذوو الانفصامات الوجودية المختلفة في محاولة اندماجهم في وضعيات أخرى أكثر إراحة. يحصل هذا كتدبير من بين تدابير الترقية المعنوية في المجتمعات التي تسود فيها إثنية على باقي الإثنيات، ويحصل كثيرا في حالات أوضاع المهجر الاضطراري.

 

الإسـم والوجـود الأنطولوجي

تلك العلاقة الأنثروبو-ثقافية بين لفظ الاسم من جهة والوضع الاعتباري (تملك، استخلاف، الخ.) وحتى الوجود الأنطولوجي من جهة ثانية، كان قد تناولها الفلاسفة منذ القدم، بل حتى النصوص المقدسة وأدبيات الفكر الديني. فقد ورد في القرآن الكريم، فيما يتعلق بالوجود الأنطلوجي للآلهة الوثنية: {إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان. إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس}(النجم).

أما ابن 'سوق هراس' (الجزائر الحالية)، واضع ومُهيكل صرح الفكر المسيحي، القديس أغوسطين، فقد كانت أهم "حرب" فكرية ضروس خاضها بعد اعتناقه للمسيحية وتبنيه لاسمه اللاتيني الروماني الذي أطلقته عليه أمّه تيمُّنا بالتمكين له لينسلخ عن وضعه باعتباره منحدرا من الأهالي وليلتحق بالمجتمع الروماني الذي كانت قد أصبحت فيه المسيحية دينا للدولة، راحلا بذلك من معتقده المانوي الفارسي القديم إلى تلك الملة الرسمية الجديدة التي حارب كذلك باسمها حركة بني قومه من أصحاب المذهب المسيحي الدوناتي (Donatisme)، هي تلك الحرب التي واجه فيها ذلك القديس أشياع مذهبه الفكري الأول، أي مذهب الثنائية المانوية الفارسية، التي تؤلـّه كُلا من مبدأي الخير والشر، اللذين أطلقت عليهما اسمي "أهورا مازدا" و"أهريمان" (Ahura Mazda et Ahriman) على الترتيب، فأكسبت كلاّ منهما، بفضل تسميته، وجودا أنطولوجيا يتساوى فيه ذانك الحدّان المؤلـَّـهان (أيْ الشر والخير). ومن ذلك التأليه اكتسبت ماهية "الشيطان"، بعد ذلك، في ثقافات ملل أخرى كل الأبعاد الشركية التي جعلت منها في النهاية ندا للألوهية.

فقد عقد أغوسطين قسما حجاجيا في كتاب "الاعترافات" ليبرهن على فساد الفكر المانوي. ومفاد ذلك عنده هو أن مفهوم "الشر" عبارة عن تصور ذهني بالسلب لجوهر "الخير" (أي النقيض الذهني)، تماما كما أن مفهوم "العدم" هو عبارة عن تصور ذهني بالسلب لجوهر "الوجود" الذي هو قائم بشكل موجَب ["إنْ الشرُّ إلا غيابُ الخير، غيابٌ يستمد أساسه من حالة العدم، الذي هو منتهى التعبير عنه (كمفهوم)"] (Les Confessions. Gallimard; p.57)؛ وذلك على غرار كون الظلام ليس بجوهر موجب، بل هو عبارة عن مَفهَمةٍ ذهنية بالسلب لحالة احتجاب النور بسبب عارض من العوارض التي تحول دون إدراكه، بينما النور في حد ذاته جوهر موجود وجودا موجبا أنطولوجيا وحتى على الصعيد الفيزيقي.

هذا الفهم الأخير هو ما نجده كذلك عند "الإمام المخفي" في "الرسالة الجامعة" لإخوان الصفا، حيث يقول - حسب تعبيره ومصطلحاته- : "إن الشر لا أصل له في الإبداع الأول؛ وإنه بذلك عارِضٌ، مُنقطعٌ، مرتفع"؛ ولذلك فإن فكر ذلك الإمام ينفي مزية الوجود الأنطولوجي عن ماهية الشيطان، ويعتبر تلك الماهية عبارة عن فيض من أفياض "النفس الأمارة بالسوء" باعتبار هذه الأخيرة مكوّنا داخليا من مكونات المركـّـب النفساني عند الفرد، "يجري منه مجرى الدم". ["وبارتفاع الشر وارتفاع خالقه على ما ذهب إليه أهل المذهب السخيف القائلون بالثـنَـويّة، فليس إلا الخيرُ وخالقه سبحانه، فثبت التوحيد لله، وذهب التشبيه والتعطيل والشرك"] (الرسالة الجامعة. دار صادر؛ ص59) ["... وأما إبليس الروحاني الذي يجري مجرى الدم من ابن آدم، فهو، كما قلنا في رسالة الأخلاق، إنه بمنزلة النفس الغضبية الشهوانية"] (الرسالة الجامعة. دار صادر؛ ص75).

فهل اختفت الوثنية واختفت الثنوية المانوية؟ وما القول في حقيقة كثير من الماهيات من "عنقاءات" أو "عفاريت" أو "تماسيح" كل زمان ومكان، التي تتناسل في كل حين بفضل إعطائها أسماء تفرض بها على الأذهان وجودا تصوريا لا يلبث أن يتحول فيها، بقوة مفعول التسمية، إلى وجود أنطولوجي، فتُرعب قوما وترهبُهم، ويعلـّـق آخرون على مشاجبها كل أوزار فعالهم؟ والعياد بالله من الشيطان الرجيم. وفي هذه الحالة الأخيرة قال القديس أغوسطين بالضبط ما يلي: [... هذه المبادئ (المسيحية)، يعمل الدجالون جاهدين من أجل تقويضها حينما يقولون "السماء هي التي قدّرت عليك قدَر الإثم الذي لا مردّ له"، أو حينما يقولون "كوكب الزهرة، أو المشتري، أو المريخ، هو من فعل هذا"] (Les Confessions. Gallimard; p.67).

 



25/06/2014
0 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 343 autres membres