OrBinah

(EN ARABE) Expérience de la presse indépendante au Maroc à la lumière des réaction à "Journal d'un prince banni

Si la graphie arabe ne s'affiche pas correctement, aller dans la barre de menu en haut de la page, cliquer sur le bouton AFFICHAGE, puis sur CODAGE, puis sur PLUS/AUTRES, puis sur ARABE(Windows).

 

عن تجربة الصحافة المستقلة كما كشف عن بعض أوجهها صدور كتاب

"يوميات أمير منبوذ؛ المغرب غدا"

 

مع التحولات السوسيو-اقتصادية التي تؤدي، على المستوى السياسي، إلى الانخراط، بدرجة أو بأخرى، في شكل معيّن من أشكال التطور الديموقراطي، بما يستلزمه ذلك التطور من نشوء وبروز هيئة "الرأي العام" كمستوى من مستويات التأثير في الشأن العام، تحتل خُطة الصحافة، شيئا فشيئا، مكانة هامة في المجتمع المعني. فكذلك نشأت ثم تطورت تلك االخطة التواصلية الحديثة، التي تُناظر خطة الخطابة عند الأقدمين كالإغريق مثلا، وذلك من حيث دور تلك الخُطة في تشكيل وتهيئة وتكييف الرأي العام لجمهور واسع أو أقل اتساعا، في اتجاه معين، بشأن كل ما يتعلق بتدبير الشأن العام.

ومع بوادر التحولات الكبرى التي أدّت إلى ظهور نُظـُم الديموقاطيات الحديثة في أوروبا، أولى المفكرون من المصلحين السياسيين (De Condorcet, Gambetta, etc.) عناية واهتماما بالغين لوظيفة الصحافة ودرها في إنجاز الانخراط في النماذج الديموقراطية للحكم. فإذ استنفذ نموذج حقّ "الصلاحيات التاريخية" لنُخب الوقت رصيد إمكانياته بفعل تلك التحولات، وأخذ يحلّ محله حقُّ "صلاحيات الكفاءة والأهلية والجدارة" بما يقوم عليه هذا الحق الجديد من مبادئ حقوقية جديدة، وبما يستلزمه من مقاييسَ للالتحاق بالنخبة المسيّرة، تتميز بفتح أبوب وقنوات جديدة في النسيج الاجتماعي، لتحل محلّ مقاييس الانتماء السلفي القـبْـلي إلى دوائر النخبة، وإذ كان لا بد من هيئة عليا للحكم على مدى الكفاءات والأهليات، تتصورها الفلسفةُ الحقوقية الجديدة على هيئة "رأي عام" يعبِّر عن نفسه، في أعلى مستوياته، بواسطة الاستفتاء وبما يتفرع عن مبدإ الاستفتاء من أشكال إجرائية فرعية (من الانتخابات إلى المباريات العمومية)، فقد شكلت أداةُ تكوين وتكييف ذلك الرأي العام حجَر الزاوية في صرح أي نموذج من نماذج التطور الديموقارطي. تلك الأداة هي الصحافة بجميع أشكالها وحواملها، بالأمس واليومَ.

وبما أن الصحافة تتميز حسب شارل بيكًـو (Charles Bigot) بكون محترفيها، مثلهم في ذلك مثل خطباء العصور القديمة، يقتحمون ساحة الشأن العام دون حاجة إلى أي صفة رسمية تخوّل لهم الانشغال الاحترافي بالشأن العام، وبكونها المهنة الحرة الوحيدة التي يمكن لأيّ كان أن يعلن عن نفسه فيها كـ"خبير محلل" أو "ناقد"، في الشأن السياسي أو الجيو-سياسي أو الجيو-استراتيجي، أو الاقتصادي أو الحقوقي أو الفني أو الأدبي، الخ، فقد بقيت الصحافة دائما عرضة لمسوءتين من المساوئ الوظيفية: مسوءة الجهل بالواقع وبالمبادئ، ومسوءة التهافت في معالجة الأمور، حسب ما يراه بيجو نفسه، وبقطع النظر عن جوانب المزالق الأخلاقية التي تشترك فيها الصحافة مع سائر المهن. ذلك الجهل وذلك التهافت، يتسربان، بالتالي، إلى الرأي العام من خلال القراء، الذين يغدّون بدورهم ذلك المنحى عبرَ إدمانهم واستكانتهم إلى ما يستهلكون استكانةَ كسلٍ ذهني يزيد بدوره في ترسيخ جنوح الصحافة نحو التهافت المهنيي.

مناسبة إثارة هذه الأفكار هي بعض ردود الفعل الصحافية الأخيرة (أبريل 2014)، وهي كثيرة ومثيرة، إزاء حدث سياسي أخير في المغرب؛ أعني تلك الردود التي أثارها صدور كتاب "مذكرات أمير منبوذ؛ المغرب غدا" الذي هو من توقيع مولاي هشام العلوي. لقد تميزت تلك الردود بنشر غسيل قذر متبادل في جميع الاتجاهات بين أطراف متعددة حول الكيفية الكواليسية التي كان طيفٌ واسع من الصحافة المغربية يُكيـِّـف ويُشكِّل بها الرأيَ العام لأكثر من عقد من الزمن، طيف كان يبدو على شكل منابر شتّى لا يجمع بينها جامع عضوي.

على مستوى تطور أشكال وألوان الصحافة المغربية، برزت تلك المدرسة الصحفية تحت لافتة هويةٍ نوعية أطلقت على نفسها صفة الصحافة المستقلة، وذلك كمقابل لفصيلتي الصحافة الرسمية والصحافة الحزبية؛ وبذلك التصور استقبلها الرأي العام بالرغم من أن الطرفين الآخرين ظلاّ يضعانها بين مزدوجتي تشكيك.

لقد اتضحت من خلال نشر ذلك الغسيل القذر كثير من أوجه مساوئ الجهل والتهافت وحتى تدني الأخلاق والاستهتار بالمبادئ، مما تمت الإشارة إليه أعلاه. فقد اتضح من خلال كل ذلك أن كثيرا من خطابات مبادئ الديموقاطية والحكامة والعقلانية المسوّقة علنا خلال كل تلك المدة كمجهودات واجتهادات من أجل إعادة وضع أسس جديدة لتجديد الهياكل والنخب والحقوق على أسُس الجدارة والأهلية والترشيد والفعالية، إنْ هي إلا شعارات تحريفية مهرَّبة يتستّر من ورائها تقاطع حسابات مصلحية لنفس النموذج النخبوي القديم القائم على رعاية تقاليد إقامة النخب على أسس حق الانتماء التاريخي في مختلف مستويات الهرم الاجتماعي العتيق، بما كان يحكُم ذلك النموذج من مرجعيات حسابات تاريخية ومن تحالفات ظرفية وتناورية مكولسة لتدبير التناقضات الأساسية والثانوية الثاوية داخل طبقات طيف النخبة التقليدية كيفما كانت اللافتة الحالية لمكونات تلك الطبقات، أسَرية كانت أم حزبية، أم طـُـرُقية، أم مزيجا معينا من كل ذلك أو بعضَه معبَّرا عنه بالاستقلالية أو بالمشيخة أو بالمثـقـفـيّة، حسب الأوضاع الخاصة بكل طرف.

من الناحية الشكلية دائما، كان من بين المميزات الداعية إلى التشكك في هوية تلك المدرسة الصحافية هو المكانة التي يحتلها فيها مكون أساسي من مكونات الصحافة العتيقة، مكونٌ قد تخلت عنه بالتدريج حتى الصحافة الرسمية والصحافة الحزبية. إنه مكوّن الافتتاحية أو "l’édito". إنه لـَـعَـرَض من الأعراض كان كافيا وحدَه للدالة على تخلـّـف تصور وظيفة الصحافة الحديثة لدى تلك المدرسة رغم حداثتها الزمنية وحداثيتها القاموسية. إنه تصور يجعل وظيفة الصحافة متمثلة في التفكير بالنيابة عن القارئ، بدل الاكتفاء بخدمة تقديم المعطيات والوقائع في تقيُّـد صارم بالقيود المهنية في نقل الخبر وفي التحقيق، مع ترك حتى عنصر التحليل للخبراء المستقلين عن الطاقم. ويزداد ذلك المؤشر دلالة حينما يتم التنبّه إلى أن موضوع الافتتاحية واتجاه مضمونها يتكرّران دائما بمناسبة وبغير مناسبة. فكما لو أن ليست هناك قضايا جوهرية تهم أنظمة التربية والتعليم والأحزاب والنقابات والجامعة والإعلام نفسه بما فيه الصحافة المهنية، يدور مجمل تلك الافتتاحيات، بأسلوب إشهاري ترسيخي، حول موضوع واحد، هو نظام الحكم مقدَّما بشكل مختزل ومشخصن، ومعبَّرا عن المؤاخذات بشأنه ليس بمضامين ملموسة لترشيد هيكلة الصلاحيات العمومية، ولكن بالتصدي كلية ومبدئيا لبعض الرمزيات العُـرفية لمشروعيته كنظام (البروتوكول، التقبيل، البيعة، والولاء؛ انظر هــنا). فما الفرق إذن، في هذا الصدد، بين مردّدات "العامْ زينْ" في افتتاحيات المرحوم مولاي أحمد العلوي مثلا وبين مكرورات "كل شيء فاسد" في افتتاحيات تلك المدرسة الصحفية، المستقلة؟ تلك الصحافة المستقلة عن مَـنْ؟ أو الناطقة باسم أيّ طرف، حتى يكون معنى لحكمها باسمه بفساد كل شيء من أعلى على سبيل الحصر؟

 

 



12/05/2014
0 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 343 autres membres