OrBinah

(EN ARABE) Des significations de la générosité des généreux

Si la graphie arabe ne s'affiche pas correctement, aller dans la barre de menu en haut de la page, cliquer sur le bouton AFFICHAGE, puis sur CODAGE, puis sur PLUS/AUTRES, puis sur ARABE(Windows).

 

 

عن دلالات الجود والكرم

 (14 يوليوز 2010)

 

 

من البديهيات ذات الانتشار الكوني في ميادين الأخلاق والسيكولوجيا الجزمُ بالقول مثلا ببراءة الأطفال وكون الحقيقة تخرج من أفواهم، أو بالقول بالسموّ المطلق لخصال الفضل والكرم. وقد كان الإفريقي القديس أغوسطين حجة المسيحية وباني الصرح الكلامي لعقيدتها أول من تصدى في اعترافاته للبديهية الأولى، مبينا إلى أي حد تمثل الطفولة أوجَ النزعات الأنانية العدوانية، وأن التربية، بالضبط، هي التي تعمل على الحد من ربقة تلك النزوات البدائية. وفي هذا الاتجاه، ليس لا 'هُوبز' ولا 'فرُويد' ولا 'جانْ لاكان'، ولا غيرهم من علماء الاجتماع والأخلاق والسيكولوجيا في العصور الحديثة هُم من سيعارضون  ذلك التحليل السيكولوجي الدقيق الوارد في "اعترافات" القديس أغوسطين.

وسأتناول اليوم مساءلة بديهية سمو سلوكات الكرم والكرماء، عارضا بعضَ وجهات نظر أكبر المتمردين على البديهيات في باب الفكر والأخلاق، 'فريديريك نيتشه'. أفلا يشكـِّل كرمُ الكريم، مهما كان مجاله ومستواه وشكله، أرفعَ وألطفَ أشكال سعْي الكريم إلى ترسيخ سلطته، وأخفَى أشكالِ مَيل وجنوح المُكْـرَم إلى التبعيةِ خوفا من هوّة حالة الحرية، وإشفاقا من مغامرة المسؤولية؟. يقول نيتشه (Par-delà le bien et le mal):

[[قلما لا نجد لدى غير ذوي الخير والكرم هذه الحيلة الجهنمية المتمثلة في تكييف المحتاج إلى كرمهم تكييفا حسب هواهم. يقول ذو الفضل منهم لنفسه مثلا بأن ذلك الشخص "يستحق" يد العون، وبأنه يحتاج بالضبط إلى عونك أنت، وأنه سيكون لا محالة جد ممتنّ ومدين ومتعلق بك اعترافا بجميل أي عون مهما كان. فبمثل تلك الأفكار يتم وضع المحتاجين رهن التصرف كمتاع وملكية (...). ولذلك فإن هؤلاء الكرماء يشتطون غضبا وغيرة حينما يُحال بينهم وبين مستهدَفي كرمِهم، أو حينما يتم تحذير هؤلاء من أعمالهم الخيرية]].

ويقول نيتشه في مكان آخر (The Gay Science) بقدر أكبر من التفصيل والتحليل:

[[فعلُ الخير وفعلُ الشر إزاءَ الآخَر وجهان متكاملان لسعي الفاعل إلى ممارسة سلطته عل على الآخرين. فنحن نُـلحِقُ الشرَّ بمن نريد أن نجعله يشعُـر بسلطاننا؛ ذلك لأن إلحاقَ الضرر أنجعُ من التمتيع في بلوغ مثل تلك الغاية. ذلك لأن الألمَ يثير دائما أسئلةً حول مصدره؛ أما المتعة فتميل إلى الاكتفاء بذاتها من دون أن يَـنظُر المستفيدُ إلى ما وراء التفاتةِ الكريم. هذا، بينما نفعل الخيرَ ونُعرب عن الكرم إزاء من هو داخلٌ سلـفا في تبعيتنا بشكل أو بآخر، أي إزاء أولئك الذين تعودوا على اعتبارنا عِـلةَ وعماد سعادتهم. نسعى من خلال ذلك إلى زيادة قوّتهم لأن في قوّتهم قوّتَـنا، وإلى إقناعهم بنفعية الانضواء تحت سلطتنا، فيصبحوا بذلك أكثر رضاً على وضعيتهم معنا، وأكثر منهاهضةً لأعدائنا.]].

وليس من الضروري أن يكون الملاحظ من طينة نيتشه ولا حتى أن يسمع عنه لكي يذهب هذا المذهب في النظر إلى "كرم" "الكريم". فهذا الفقيه محمد بن علي الهوزالي، الذي غرف من تصوفيات القاضي عياض وفقهياته، يقول في كتابه "بحر الدموع" الذي ألفه بالأمازيغية في بداية القرن الثامن عشر بعد عودته متصوفا، إلى مسقط رأسه بـ"إنداوزال" عائدا من الزاوية الناصرية التي احتمى بحماها على إثر اقترافه جريمة قتل: [[كرَم الكريم غايتُه حيث يتوسم مصلحتـَه؛ فإن خِـفت قهـَرك، وإن رجَوت احتقرك، وأن اتكلت عليه غرَّك وخدعك]]؛ يريد أن يقول – بناء على تجربته لا على الفلسفة– بأن الكرم بالنسبة للآدمي وسيلة وليس غاية.

ومع كل ذاك فقد جُبـِل معظَمُ الناس على تقبّـل التفاتات الكرَم دون أن ينظروا إلى ما وراء الالتفاتة في حد ذاتها. ويُطلَـق على هذا، في الأخلاق، مصطلحُ "الارتشائية"، وفي السياسة مصطلحُ "الانتهازية". وحْدَها النفوس الحرة تبادر إلى التساؤل عمّا وراء الاتفاتات التي يستهدفهم من خلالها الكرماء. من ذلك مثلا شخصيةُ 'فاوست' في مسرحية الشاعر الألماني 'جوته'، لما عَرض عليه الإبليسُ، ميفيسطوفيليس، كلَّ إغراءاته؛ حيث تساءل في الحين قائلا: "لكن ما هي الالتزمات التي تترتّب عليّ كمقابـل لكل هذا؟" فيجيب الشيطان: "أمامك ما يكفي من الوقت لمعرفة ذلك". لكن فاوست يعقب في الحين: "لا؛ الشيطان كائن أناني، ولا يفعل شيئا، مما ينفع الآخرين، في سبيل الله". هذا متّـفـَق عليه، بالنسبة للشيطان، من الإنس والجانّ، وذلك بحكم تعريفه في الأذهان، وبقطع النظر عن نوعية  ثيوفانياتِ أصولِ الخير والشر. لكن، أفلا ينطبق ذلك أيضا على الأخيار والأبرار من بني البَـشَـر، الذين إنما يفعلون الخير وينفقون مما يحبون في الدنيا في سبيل الله من غيرِ مَـنّ ظاهر ولا رِياء، ولا يريدون في العاجلة جزاءً ولا شكورا، ولكنهم ينتظرون بالمقابل في الآجلة أو الآجلة أضعافا مضاعفة مما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعيُـن، جزاءً وِفاقا لاستثمارهم البعيد الأمد؟

المسألة الأساسية هي مدى قدرة الإنسان، عبر ترقّـيه الأخلاقي، على تصور واستبطان الخير الأخلاقي المحض، المتجرد عن الدوافع الذاتية، والمستقل عن المؤطـِّرات والموجِّهات الخارجية، من اجتماعية وغيرها، أيْ خيرِ الكائن الحر، الذي تشكل الأخلاق مقوما داخليا لحريته، عكس "استثمار" الكائن المستعبد لنزوات طويته، والذي تشكل الأخلاق بالنسبة إليه إكراها خارجيا كإكراهات السوق سلبا أو إيجابا، أي أنها تنبني لديه على أسس الخوف الطمع، فيتخذ من قوانين تلك السوق آليةً للتلبية الفعلية أو الوهمية للنزوات الذاتية التي تستعـبِـدُه. ففي الحالة الأولى فقط، يصبح الكرم إحسانا (Benevolence) ويصبح الكريم محسنا، بقطع النظر عن التحريف الذي طال لفظ "الإحسان" ولقب "المحسن" بمفعول فعل "المحسنين الميدانيين" المحترفين في كل زمان ومكان.



02/07/2014
0 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 343 autres membres