OrBinah

(EN ARABE) Condition féminine, langue et mentalité.

Si la graphie arabe ne s'affiche pas correctement, aller dans la barre de menu en haut de la page, cliquer sur le bouton AFFICHAGE, puis sur CODAGE, puis sur PLUS/AUTRES, puis sur ARABE(Windows).

 

أنتَ، أنتِ، أنتُما، أنتُمْ، أنتُنَّ

في مقابل: You

 

التساؤلات الخامّ الممكنة كثيرة؛ وهي منطلق المعرفة، وآلية حصولها وترامكمها بعدما تصبح تلك التساؤلات الخام أسئلة واضحة تستعمل منطق المفاهيم الصورية المتوفرة في الباب المعين من أبوب تلك المعرفية. وهي تزداد توالدا كلما تقدمت المعرفة بفضل تراكم الإجابات عن أجيال الأسئلة المتناسلة التي تفضى الإجابة عن بعضها إلى إثارة جيل جديد منها. وحدَهُ الجهل عقيمٌ لا ينجب أسئلة، لأنه يتمثل في يقين فطري بفهم مسبق لكل مظاهر الوجود؛ "فالليل ليلٌ والنهار نهارٌ *** والأرض فيها الماء والأشجار" كما قال أحدُهم. وإذ المعرفة المتفرعة عن تصور أسئلة جديدة وطرحها هي أساس التحكم النسبي للإنسان في الطبيعة والوجود والمجتمع والأخلاق، وحُسن تدبير وتسخير كل ذلك، فإن هناك تفاوتا في قدرات الثقافات المختلفة على طرح الأسئلة: أسئلة الطبيعة، والوجود والمجتمع، والمعرفة والأخلاق. قبل بضعة قرون فقط، تم إعدام العالم جيوردانو برونو حرقا، وتمّت محاكمة كاليلي، لأنهما تجرّءا على مساءلة يقينيّات الوقت حول مركزية الأرض ودوَران الشمس والأبراج حولها في أفلاك. وفي أزمنة متفاوتة من حيث القِدم والمعاصرة حسب الثقافات، لم يكن أحدٌ يشك، بما في ذلك فلاسفة الوقت، في مدى بداهة "الحق الطبيعي" في امتلاك السيد لعبدٍ ورثه أو اقتناه في سوق النخاسة حسب ما يحدده تشريع الوقت. بل إنه ما تزال تُردّد إلى اليوم، في بعض الأطر الاعتقادية، أدعيةٌ وصلواتٌ من قبيل قولهم:

[تباركتَ يا ربّ العالمين أنْ لم تجعلني وثنيا؛ تباركتَ يا رب العالمين أنْ لم تجعلني عبدا؛ تباركت يا ربّ العالمين أنْ لم تجعلني امرأة] (من صلوات الصبح في الدين اليهودي)

وعلى ذكر مثل تلك اليقينيات حول الأنثي من بين آدم، وبما أن المسيحية كانت قد تفرعت تاريخيا عن اليهودية، فقد استمر فيها جدل لاهوتي كبير لعدة قرون، منذ نصوص "أعمال ورسائل الرسل"، حول ما إذا كانت المرأة قد وُهبت روحا كما يُسلـَّـم بذلك بالنسبة للرجل. وبقطع النظر عن الأوجه الحقوقية لمثل هذه المسألة الأخيرة (مسألة الذكر والأنثى) في المجتمعات المختلفة، فإن أوجهها الأنثروبو-ثقافية مدْعاةٌ لكثير من فضول التساؤل. فهناك من الذهنيات والثقافات ما يمثل فيه التعارض أو التناقض بين الذكر والأنثي وسواسا وهوَسا حقّين تنعكس أعراضهما، ليس فقط على مستوى منظومة الحقوق والأدوار الاجتماعية، بما يستلزمه ذلك من شارات مميزة  في الزيّ والهندام، ولكن كذلك حتى على مستوى هيكلة اللغة للفضاء الاجتماعي وترجمتها لتلك الهيكلة في الذهن، وذلك من خلال مقولة "النوع الصرفي" من تذكير وتأنيث، بما يترتب عن ذلك على مستوى التركيب من "مطابقة" و/أو "تغليب" بالمفهوم النحوي لهذين المصطلحين.

فهناك من اللغات ما لا يتصور الماهية المعيّنة (كائنا حيّا كانت، أم جمادا، أم ماهيةً مجردة) إلاّ كمُذكَّر أو كمؤنث، على سبيل الحصر والتنافي. فإذ  قد ذكّرت الفرنسية مثلا ماهية "الشمس"، بينما أنّـثت ماهية "القمر"، فقد تصورت كلٌّ من العربية والأمازيغية، مثلا، جنسَي هذين الجرمين بشكل معكوس، في إطار تصور تقاطبي ثنائي لمقولة الجنس (الطبيعي، والاجتماعي، والنحوي). وإذ ذكّـرت العربية ماهية "الشِعر" وأنثت ماهية "الرواية" كما وقف عند ذلك الكاتبُ، شرف الدين ماجدولين في مقال طريف له بعنوان "الرواية امرأةٌ"، فقد أنّـثت الفرنسية "الشعر" (La poésie) وذكّرت "الرواية" (Le roman). وإذ تميزت الانجليزية - على العكس من ربيبتها الألمانية - بهامشية انشغالها بجنس الماهيات، بالرغم من أنها ما تزال تحتفظ، بالنسبة لضمير الغائب المفرد (he, she, it)، ببقايا التصنيف الثلاثي الجرماني الذي فك التقاطب الثنائي بين المذكر والمؤنث عن طريق تصوّر حدّ ثالث أوسط هو "الجنس المحايد الغفل" (neutre)، أيْ ما يقابل مفهوم "الخُـنـثى"، فإن لغة وُوردز وُورث وسكشبير قد تجاوزت بدورها عمليا ذلك التقاطب الثنائي المتنافي الحدين عن طريق تحييد مقولة الجنس كلية في الأسماء، التي علـّم اللهُ آدمَ إياها كلها. أما بالنسبة للضمائر، فإن تلك اللغة قد حيّدت ثنائية ذلك التقاطب في ضمير الغائب المفرد باحتفاظها بالتصور الثلاثي الذي يُجسّر فيه الحدُّ الأوسط (it) بين طرفين (he, she) جامعا بين مفهوميهما أو لاغيا لذينك المفهومين، بينما حققت تلك اللغة نفس التحييد عن طريق الاكتفاء بالنسبة لبقية الضمائر بنفس اللفظ بقطع النظر عن الجنس. فهي تكتفي مثلا في بالنسبة لضمير الخطاب بالضمير You في الوقت الذي تُفصّل فيه لغة أخرى ذات حساسية جنسية عالية، كالعربية مثلا، بين "أنتَ"، و"أنتِ"، "أنتُـما"، و"أنتُـم"، "أنـتُـنّ"، أو كالأمازيغية التي تميّز في نفس الباب بين "كـيّي"، و"كـمّي"، و"كُـنّي"، و"كُـنّـيـنـت". ومن بين ما يترتب عن هذا الهوَس الجنسي في ذهنية اللغات المسكونة بتقاطبيته الثنائية بما تستلزمه تلك التقاطبية من أحكام، هناك حُكم "التغليب" في باب المطابقة النحوية، أي تغليب المذكر على المؤنث في حالة التنازع؛ فيقال مثلا: "زيدٌ وفاطمةُ أخَوان شقيقان"، وليس "زيدٌ وفاطمةُ أُختان شقيقتان"، وذلك بالرغم من أن كلمة "فاطمة" أقربُ شقّي المبتدإ إلى لفظ الخبر من حيث الذِكْـر. أضف إلى ذلك أن التأنيث يُعتبَر، في صرف اللغة العربية، علة من بين العلل التي تمنع الاسم من الصرف؛ فكلمة "فاطمةُ" كلمةٌ لا يجوز لها أن تتحلى بالتنوين، الذي هو من علامات تمكـُّـنِ الكلمة في صفة الاسميّة ("الاسم المتمكن الأمكن" حسب تعبير النحاة)، ولا تظهر فيها جميع علامات الإعراب؛ وذلك بسبب اجتماع عِلـّـتي "التأنيث" و"العَـلـَـمية" فيها؛ فيكون بذلك التأنيث بمثابة "العُجمَة" التي هي أيضا علة من العلل المانعة من الصرف.

في هذا الباب الواسع، وفي باب فضول التساؤل حول "منطق" تطور الذهنيات، كُنت قد تساءلت في ثنايا كتاب صدر لي سنة 2010 ("مقامات في اللغات والعقليات؛ الهوية والتحديث بين التذكير والتأنيث")، عن دلالة كون الثقافة العربية قد عمدت مثلا إلى تأنيث ماهيةٍ شبهِ مجردة، هي "اللغة"؛ وذلك بعدما كانت تلك الماهية اسما مذكـّرا بصيغة "اللسان العربي" (وكذلك وردَ في التنزيل)، فصيّرتها ماهية مؤنثة بصيغة "اللغة العربية"، التي انتهى الأمر بالمتأخرين إلى تصويرها كامرأة فاتـنـةٍ، وَلودٍ، خصبةِ الأحشاء، ومحملةٍ بالجواهر، ومصيرها يتأرجح ما بين الرمي بالإثم (رموني بعقم في الشباب وليتني ...) واحتمال الوأد (ولدت ولما لم أجد لعرائسي // رجالا وأكفاء وأدت بناتي).

فما علاقة كل ما ذُكر بما حصل مؤخرا في بلد من بلدان الثقافة الأنجلوفونية التي تمت الإشارة إلى بعض خصائص لغتها في باب التذكير والتأنيث؟ لقد تناقلت وكالات الأنباء أن المحكمة العليا بأستراليا قد حكمت يوم 2 أبريل 2014 بأنّ من حق أي فرد من المواطنين الاستراليين ممن يشعر بجنوح إلى ذلك، ويثبت صحة حاله بتقرير طب شرعي، أن يُعيد تسجيل نفسه في سجل الحالة المدنية ليس فقط كجنس أو آخر (مذكر أو مؤنث) خلافا لما سُجّل به عند الميلاد بناء على تقديرات الآخرين، ولكن كجنس ثالث، لا هو بالمذكر ولا هو بالمؤنث، أي ما يسميه الفكر الفقهي الإسلامي في باب الإرث بـ"الخُنـثى المُشْـكل". ولقد سبق المشرّع الألماني منذ شهر نوفمبر 2013 إلى تشريع "الجنس الثالث" في الحالة المدنية دون حاجة إلى حكم قضائي. أفَـلـِشيء من كل ذلك، إذن، علاقةٌ بالذهنية الجرمانية كما تعكسها اللغات الجرمانية، شرقيّها (الألمانية) وغربيّها (الإنجليزية)؟ على كل حال، فإن اللغة الألمانية، التي تجاوزت التقاطبية الثنائية ما بين المذكر والمؤنث عن طريق تصوّرها لجنس ثالث هو "الجنس المحايد الغُفل"، وأداةُ تعريفيه Das (في مقابل Der للمذكر و Die للمؤنث) على غرار تجاوز جدلية المنطق الهيجلي لثنائية المنطق الأريسطى، قد بلغت من ذلك التجاوز حدّ اشتمالها على اسمين اثنين للدلالة على "امرأة"؛ أحدُهما مؤنث صرفيا (Die Frau)، والآخر محايد غُفْـل (Das Weib). أما الأسئلة ... فلا تنتهي، ما دام هناك من يسأل عن أشياء أو يسائلها.



20/04/2014
10 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 343 autres membres