OrBinah

(En arabe) Pourquoi la masse s'est-elle saisie au Maroc de l'affaire de l'ouvrage du grand compilateur du Hadith: Al-Bukhari?

السرّ المتواري وراء خوض الجمهور في  صحيح البخاري

---

قَـسَـم عبيد البخاري في زمن الأنتيرنيط 

 

 

 

 

1. الســــــرّ

 

 

 التغييرات الكبرى في الفكر والوعي الجمعيين لا تحدثهما إسهامات المفكرين الكبار من حيث هي إسهامات قد تمّت في المُطلق؛ وإلا لكان لابن رشد، ولابن خلدون، ولحسن الوزّان، ولأبي الحسن اليوسي، ولأمثالهم أثرٌ في ذلك الوعي في فضاء نشأة أمثال هؤلاء.

.

الذي يُحدث ذلك القبيل من التغييرات على المستوى الجمعي هي الاختـــــراعــــــات التــــقـــنيــــة الكبرى في مجال حركيّة  البشر والأغراض وفي مجال الاتصال عامة؛ وذلك من قبيل اختراع الــــــــــورق والصـــمـــــــغ كتقنية وسّعت مجالَ تداول الكتابة (أي مجال نطاق انتشار المعلومات) الذي كان مجالا مقصورا على ما كان يُتيحه استعمالُ الإزميل والحجر الثابت من تبليغ للمعلومة إلى الجيل وإلى الأجيال؛ وكذاك من قبيل اختراع تــــــقــــنيــــة الطـــــبـــاعة الآلية (بدل النسخ باليد) التي زادت فضاعفت ذلك التوسيع أضعافا مضاعفة جعلت المعلومة تقترب أو تكاد من حالة "الدمقرطة" (démocratisation de l’information) والتي كان لها أثر مباشر حتى على مستوى اللاهوت في أوروبا مثلا؛ إذ كان ذلك الاختراع (1455م) متقدما بنصف قرن على حركة مارتن لوثر البروتستانتية وترجمته للكتاب المقدس (1522م) إلى لهجة شعبية من اللهجات الجرمانية هي ما يشبه الألمانية الحديثة، فكان في ذلك تحرير للفكر الجمعي من احتكار "المعرفة" من طرف طبقة رجال الكنيسة المستعملين للغات ميّتة حينئذ (العبرية التوراتية، الأغريقية القديمة) وللغات في طريق الاحتضار (اللاتينية)، متخذين من ذلك الاحتكار سلطة يقايضون بها كسخرة أو تسخير (حسب الظروف) في التعامل مع السلطة الزمنية.

.

ولقد تمّ، خلال القرون السابقة، استردادٌ لهذه التقنيات (الكتابة اليدوية الصمغ والحبر، ثم مختلف أطوار تقنية الطباعة في القرنين الأخيرين، بعد حملة نابوليون على مصر وما أدخلته من تقنيات) في فضاء الثقافة الإسلامية لتعزيز نفس النظام الاحتكاري للمعرفة (مضمونا وتداولا)؛ وهو نظام قائم، من حيث المضمون على "رواية أقوال القائلين"، ومن حيث التداول، على شبكة الأشياخ عن طريق "المشيخة والتلمذة والإجازة"، هذه الشبكة البِطانية التي تواترت من عصور طبقات "القرّاء"، فـ"المحدّثين" إلى مرحلة الهيكلة الإدارية الأكاديمية لذلك النظام الشبكي في شُعب الجامعات المعاصرة. وليس من الغريب أن يكون "التكوين" في هذه الشعب قد غلب عليه ما كان يعرف بـ"تحقيق ودراسة"، أي تداول مافيوزي لبعض المخطوطات والميكروفيلمات و"تمكين" بعض الأشياع منها قصد "التحقيق" في إطار إعداد الشهادات، وذلك قبل أن تأتي مرحلة الأطاريح على شكل تآويل وتعاليق "القضية الفلانية عند فلان، أو في المذهب الفلاني".

.

وقد حصّنت تلك الطبقات نفسها مِهنيا بإنتاج نظام تعجيزي من ضرورة الإحاطة (إحاطة قابلة دائما للتجريح في إطار التدافع الداخلي والارتباطات المصلحية داخل المجتمع) بمنظومة "معرفية مما عرف بـ"العلم رواية ودراية" في باب الأحاديث والآثار وأقوال القائلين التي يقوم على أساسها النمط المعرفي المعتمَد. الرواية هي حـــــفـــــظ الأقوال في الصدور، والدراية هي المعرفة بـ"أسانيد" الأقوال وبأسس تخريجها وترجيحها وتصحيحها بدرجات تقديرية متفاوتة من الصحة (قطعي مُحكَم، مُتشابه، ناسِخ، منسوخ؛ صحيح، حسن، ضعيف، موضوع، الخ. على خلاف في كل ذلك)، أو تجريحها من حيث المتـــــن و/أو من حيث الســـــنـَــد، وإشهار بعضها أو السكوت عنه، حسب ما تقتضيه موازين التدافع والارتباط المهنيين و/أو الاجتماعيين.

.

التحوّل الجذري حصل مع اخـــــــــتــــــراع شبكة النيط أو الويب. وقد حصل ذلك التحول الحرِج على شكل مــــــفارقــــــة على مستوى نيّات الاستخدام. فإذ دفع الجانب الدعوي للوجه المعاصر لتلك الطبقات إلى إغراق شبكة الويب بأدبياتها، التأسيسية منها (كتب أئمة الحديث والفقه) والتعليقية (مختلف الاستخدامات التأويلية العابرة)، فقد انفرط نظام الاحتكار، وتـتـفّهت كفاءة الحـــــفـــــظ  التي كانوا يصوغونها على شكل قولهم "العلم ذهب به الحفاظ"، كما انفرطت عُرى قولهم: "العلم يؤخذ من أفواه الرجال". فاليومَ، باستطاعة كل طالب في علوم الاجتماع أو الآداب، أو علوم الجغرافيا أو الاقتصاد أو السياسة أو الهندسة أو الحساب، أن يقف بنفسه، في ظرف دقيقة  أو دقائق، على كل ما أورده البخاري أو مسلم أو الترمذي أو غيرهم مما "قـــيــــــل" في موضوع معين؛ إذ يكفي أن يرقن الكلمة الدالة عليه في نافذة محرك من محركات البحث. وهناك سيقف على انثروبولوجيات مما قيل في أحكام المعاملات والحقوق والحريات وفي الرق والنكاح والطهارة والنجاسة والطبّ، وكذلك في الأقوام من عرب وعجم من وزنج وفرس وبربر ... كلّ ذلك مرفوعا ضمنيا، حسب تصوّر هرمية مصادر التشريع، إلى التشريع الإلهي.

وحينئذ، لا يعود الاقتناع ممكناً بنظام مــتــــــاهــــات تصحيح وتـــرجــيـــــح أو تجريح القول من الأقوال متنا أو سندا على ضوء إعمال العقل الأخلاقي في "المقاصد". ذلك لأن إعــــمال العقــــــل الأخلاقــــي المقاصـــدي، إمّا أن يتمّ إعماله، وإمّا أن لا يتمّ. وإذا ما تمّ إعماله، فليس، من الناحية النظرية وبحكم التصور، في حاجة إلى ذلك الكمّ المتراكم عبر القرون من الأقوال والأقوال المناقضة؛ بل إن في ذلك ليس فقط تشويش على إعماله ومضيعة للجهد والوقت والمنطق، ولكنّ فيه تعطيلا تامّا له من حيث المبدإ.

.

إن هذا الواقع الجديد الذي أحدثه اختراع تقنية الانطيرنيت وتعميم استعمالها هو ما يفسّر تحول ملفّ الإمام البخاري إلى ملف عمومي دخل فيه الجمهور على الخط؛ وهذا الواقع الجديد يبدو أنه ما يزال غائبا عن وعي  المدافعين عن عمل  االبخاري وغير البخاري باعتباره مصدرا لاستنباط تشريعات أخلاق المدينة.

.

 

 

 

 

2.  وجهان لـ"الدفاع عن البخاري"، متكاملان من حيث طابعهما المُغرِض

 

.

 

هناك وجهان للدفاع عن البخاري، متكاملان من حيث طابـــــــعُهما المُـــــــغرِض.  فهناك الوجه الذي تمت الإشارة إلى بعض معالمه في الفقرات السابقة؛ ثم إن هناك وجها آخر يدافع عن البخاري باعتباره ذلك الذي "فضح ما كان يمكن أن يظل مغيبا" في حقّ بعض الأشخاص أو الشخصيات.

 

وفي هذا الباب، يتعيّـن أن يتمّ التنبيه إلى أن عمل البوخاري ليس، في النقاش الدائر حاليا، سوى رمز بارز لمدوّنة (corpus) من الأدبيات تغطي قرابة قرنين من إنتاج قبيل من القول وتداوله، فاعتُمدت لاحقا كأساس للتشريع وسنّ القوانين، واستمرّت كذلك إلى يومنا هذا، بدل أن تشكل اليوم موضوعا لدراسات انثــــــــروبو-ثاقافيـــــة كفيلة بتوفير فهم موضوعي لآليات فكر مجتمع معيّن في فترات معينة. أي أن  ذلك الرمز البارز (عمل البخاري) ما هو سوى ذريعة (prétexte) لمساءلة أسس ودلالات منظومة فكرية. معنى ذلك أن النقاش الجاري حاليا حول ذلك الرمز لا يهمّه الحكم حكما إيجابيا أو سلبيا على البخاري نفسه كشخص أنجز ما أنجز في باب جمع مدونة من تقاليد القول، بقدر ما يهمّه تفكيك خصائص منظومة فكرية متكاملة باعتبار دلالات إنتاج ذلك القول أولا، وباعتبار كيفية توظيفه الاجتماعي ثانيا. أما أن يُـتّخذ عمل البخاري كذريعة (prétexte) للتعبير عن مــــــوقـــــــف ذاتـــــي تـــــــقويـــــمـي لمكانة البخاري كشخص "فضح المستور"، بل ولمـــــحاكمــــة أشخاص وشخصيات عينييّة بمن فيهم الأنبياء، فهو تحــــــريـــــف لمجرى النقاش عن جوهر موضوعه.

 

ومَن تراوده فكرةُ اعتمادِ ما جمعه البخاري وغير البخاري كتقاليد في القول الجمعي، لإنجاز عـــــــمــــل إبــــــداعــــي مثلا على الطريقة السالمو-روشدية، فله ذلك، إذا ما توفرت لديه آلة الإبداع الفني الأدبي. أما أن يصوغ مَن تراوده تلك الفكرةُ ما يدور بخلده حول الأمر على شكل مـــــــــرافعـــــــــةِ محاكمةٍ لطرف شخصي من الأطراف، فإن ذلك أقرب إلى باب الشــــــغـــــب، ولا يمتّ إلى باب طـــــــــــرح الأسئـــــلـــة الفــــــكريــــــة بصلة؛ أنثـــــروبــــولوجيـــــــــةً كانت تلك الأسئلة أم أخــــــلاقيــــــة في باب سياسة المدينة؛ لأن أسئلة من هذا القبيل الأخير تتعلق بالبحث في مدى تــــــمـــــاســــك منظومة فكرية ومـــــــلاءمـتـــــها لموضوعها، ولا تتخذ أبدا طابع محاكمة للأشخاص والشخصيات التاريخية أو الأسطورية مهما كانت، ولو تعلق الأمر بشخصيات المسيح أو الحسين أو الإمام، أو حتّى سيدي عبد الرحمان المجدوب.

 

أما الدراسات الانثــــــــروبو-ثاقافيـــــة لمدوّنات القول، المشار إليها والكفيلة، كما قيل، بتوفير فهم موضوعي لآليات فكر مجتمع معيّن في فترة معينة، فهي دراسات متعدّدة الأبعاد والتخصصات، ولكل بعد من تلك الأبعاد والخصصات إطارُه النظري ومنهجه الإجرائي في العلوم الإنسانية الحديثة. فبخصوص البعد الأدبي، فقط كمثال، لمدونة الأحاديث  والآثار، تخضع هذه الأقوال لبنية مورفولوجية قارة؛ فيها السيــــــاق الخاصّ (في مكان كذا، بينما كان/كانوا/كنّا كذا)، وفيها شخصيــــــــات رئيـــــسيــــــة قــــــــــارّة التواتر ومتفاوتة المكانة، وشخصيـــــــات ثــــــــانويـــة كمتغيّرات (فلانٌ، رجلٌ، أعرابيٌّ، يهوديٌّ، أحد المهاجرين، أحد الأنصار، الخ.) وحــــــــدثٌ يمثل ما يشبه العُــــــقـــــــدة، ثم أخيرا، قـــــــــــولٌ مأثور يمثل الــــحــــــلّ.

 



01/11/2017
2 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 343 autres membres