OrBinah

(EN ARABE) 1-Qualification de la langue arabe et déclarations de principe

تطوير اللغة العربية، وثقافة "إعلان المبادئ"

محمد المدلاوي المنبهي 

 

المسألة اللغوية من الأوراش الكبرى التي يشكّل فتُحها أو عدمُ فتحها، وكذا نوعُ تدبيرها بكيفية أو بأخرى، وفي اتجاه أو في آخر إذا ما تمّ فتحها، أمرا مصيريا بالنسبة للتطور التاريخي لدولة من الدول؛ وذلك بنفس أهمية إقامة مؤسسة الدولة نفسها أو تفكّكِها في أمة من الأمم، أو اعتماد دستور بقيَمٍ معينة أو عدم اعتماد أي دستور. ولذلك، فإن نوعية وكيفية التعامل مع تلك المسألة من حيث مدى المعرفة التشخيصية بإشكاليّات موضوعها، ومدى إدراكِ أوجه الرهان الذي يمثله تدبير شأنها، ومدى تبيّنِ واستشرافِ مقاصد واضحة على ضوء تلك المعرفة التشخيصية وذلك الاستشراف، يعكس طبيعة الوعي أو اللاوعي الذي يحرّك الأمة وكذا نوعية حجم طموحاتها، تماما كما يعكس ذلك دستورها إذا ما كان لها دستور.

وللمسالة اللغوية في كل زمان ومكان، من حيث هي إشكالٌ وموضوعٌ للتدبير تختلف معالمُه حسب الزمان والمكان، أوجهٌ متعددة يمكن حصرها وعزلها منهجيا على مستويات متعددة كذلك، بالرغم من أنها أوجه تتداخل عمليا ويفضي بعضها إلى بعض ويُغذيه. فإذا كانت المصالح الفئوية لقوى المجتمع هي التي تحدد معالمَ جانب الإشكال الأيديولوجي للمسألة، الذي يُسوَّق عبر الخطاب العام حولها والذي يُعبَّر عنه عمليا على شكل مواقف سياسية ملموسة في اتجاه أو في آخر، بما في ذلك حالةُ اللا-اتجاه (أي وضعية التجميد)، فإن لدرجةِ ونوعيةِ المتوسط الجمعي من المعرفة الصورية بتشخيص المسألة ولمدى التبيّن الواضح لرهانات تدبيرها نصيباً كبيرا كذلك في تبنّي أطراف التدافع لهذا الموقف الأيديولوجي أو ذاك تجاه المسألة، والتعبير عن ذلك الموقف في الخطاب العام أو باتخاذ الموقف السياسي المعيّن.

ثم إن جانب التشخيص من إشكالية المسألة اللغوية جانبٌ متعددُ المستويات بدوره. فهناك المستوى السوسيو-لغوي، بتجلياته الهوياتية والثقافية، وفي علاقة كل ذلك بقيم المواطنة ومبادئ تكافؤ الفرص والاندماج والانسجام الاجتماعي؛ وهذا ما حاول الإصلاح الدستوري الجديد أن يبلور تصوراتِ مبادئ جديدة بشأنه في باب تدبير معطى التعدد اللغوي. ثمّ هناك جانب علاقة اللغة المعيّنة، ذات المؤهلات الذاتية المعينة، والوضعية السوسيو-لغوية المعنية، بأنظمة التكوين والتربية والتعليم والبحث العلمي، وذلك باعتبار مركزية الأداة اللغوية في تحديد مدى نجاعة تلك الأنظمة؛ وهذا ما أناط نفسُ الدستور العملَ على تصوّر معالمِ مشاريعه بهيئات بعضُها قائم (المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي؛ انظر هــنــا)) وبعضُها يُنتظر صدورُ قانونه التنظيمي ليتمّ قيامُه (المجلس الأعلى للغات والثقافة المغربية).

وستقتصر بقيّةُ هذا النص على تناول جانب من جوانب هذه العلاقة الأخيرة (علاقة اللغة بالتربية والتكوين والبحث العلمي) في ما يتعلق منها باللغة العربية؛ وذلك بالرغم من أنه يتعين فعلُ ذلك بالنسبة لكل من اللغات التي تشكل خارطة التعدد اللغوي المغربي، في إطار تدبير ذلك التعدد على هدي المبادئ العامة للوظائفية اللغوية التطوّرية (fonctionnalisme linguistique évolutif) التي تصوّرَها الدستور الجديد  في أفق تأهيل اللغتين الوطنيتين الرسميتين (العربية والأمازيغية) في موازاة مع تقتضيه مواصلةُ خطةُ التكوينِ الملائم، ومواكبةُ حركيّةِ البحث العلمي، والتحكم في التيكنولوجيا الحديثة، والانخراط في عالم المعرفة والتواصل الحديثين من امتلاكِ أدوات اللغات الأجنبية التي تفرض نفسها بدرجات متفاوتة وفي قطاعات مختلفة.

لقد نصّ الدستور على مفهومي الحماية والتأهيل في ما يتعلق باللغتين الوطنيتين، مؤكدا بذلك ما كان قد تم تفصيله أكثر في نصّ الميثاق الوطني للتربية والتكوين  بالنسبة للغة العربية على الشكل الآتي:

112- يستلزم الاستعداد لفتح شعب للبحث العلمي المتطور والتعليم العالي باللغة العربية إدراج هذا المجهود في إطار مشروع مستقبلي طموح، ذي أبعاد ثقافية وعلمية معاصرة. يرتكز على : 
 التنمية المتواصلة للنسق اللساني العربي على مستويات التركيب والتوليد والمعجم ؛

•  تشجيع حركة رفيعة المستوى للإنتاج والترجمة بهدف استيعاب مكتسبات التطور العلمي والتكنولوجي والثقافي بلغة عربية واضحة مع تشجيع التأليف والنشر وتصدير الإنتــاج الوطني الجيد ؛

•      تكوين صفوة من المتخصصين يتقنون مختلف مجالات المعرفة باللغة العربية و بعدة لغات أخرى، تكون من بينهم أطر تربوية عليا ومتوسطة.

•      113- ابتداء من السنة الأكاديمية 2000-2001 ، تحدث أكاديمية اللغة العربية باعتبارها مؤسسة وطنية ذات مستوى عال، مكلفة بتخطيط المشروع المشار إليه أعلاه, وتطبيقه وتقويمه بشكل مستمر. وتضم تحت سلطتها المؤسسات والمراكز الجامعية المهتمة بتطوير اللغة العربية. 

 

المشروع المستقبلي الطموح

إذا كانت للألفاظ دلالة تبرّر اعتمادها كتوثيق للمواثيق والنصوص المؤسسة عامة، فإن لعبارة "مشروع مستقبلي طموح" دلالاتـَها الواضحة كما هي محدّدة في المعجم. وإذا كان للمواثيق وللنصوص المؤسسة من مبرر وجود، فهو العمل على تنزيل مضامينها - كما تدل عليها صياغة العبارة - في أرضية الأوراش المفتوحة بالقطاعات والمستويات المعنية بمقتضياتها؛ وليست الغاية منها هوّ مجرد صياغتها وتدبيجها والتلويح بها وترديدها طقوسيا كغاية في حد ذاتها، أي ما يسمى في باب بـ"إعلان المبادئ" (déclaration de principes) وفي باب آخر بـ"إعلان الشهادة" (profession de foi).

اللغة العربية في حاجة إلى تأهيل تاريخي عميق وطموح (لكي لا نستعمل صفة "ثوري"، رفقا بالقوارير). وهذا التأهيل التاريخي  الطموح لا يمكن أن يتمّ إلا عبر نظام متكامل يتمثل في سلسلة من الإجراءات الملموسة المنسجمة التي يتطلب كل منها القيام باختيارات عملية. وفي باب الاختيارات، في مختلف القطاعات وعلى جميع المستويات (من فضاء المطبخ إلى فضاءات الأوراش الكبرى اللسوسيو-سياسية والسوسيو-اقتصادية والسوسيو-ثقافية)، يقول مثل فرنسي مستمد من صميم الحياة اليومية: "لا يمكن إعداد الأومليطة دون كسر البيض"؛ ويكمله مثل فرنسي آخر بالقول في شأن من يريد الجمع بين نقيضين بديلين متنافيين: "إنه يريد الزُبد وثمن الزُبد". فكل خيار، بحكم اعتباره خيارا أمثل، هوّ تخلّ عن بقية الخيارات الأخرى في بابه.

على مستوى الخطاب العام، وفي ما عدا من لا يزال يتصور أن لماهية بعض اللغات أبعادا ماورائية وفوق-بشرية، يكاد الجميع يتفق اليوم على أن اللغة العربية في حاجة ماسة اليوم إلى إعادة تأهيل هيكلي في ما يتعلق ببنيات متنها كلغة من اللغات الطبيعية، وبطبيعة ما يتم إنتاجه بها وما تصبح حاملة له من مضامين؛ وهو ما ترجمه الميثاق الوطني. فكثير من الأصوات المسوموعة في المجال العمومي تتحدث منذ عقود عن لغة عربية وسطى متخلصة من تعقيدات الإعراب، ومضبوطة دلالات المفردات والتراكيب على ضوء المنطق الطبيعي، ومبسّطة الأساليب الخالية من أعشاب البديع، ومنخرطة من الناحية الاستعمالية والسوسيو-لغوية في دوامة الحياة بجميع أوجهها وقطاعاتها ومستوياتها. ومع ذلك، فإن أيّ تصوّر عملي ملموس للقيام بالاختيارات اللازمة لتحقيق تلك المزايا المنشودة، ولتفعيل تلك الاختيارات المتصوّرة، خطوةً خطوةً، على كافة مستويات إعداد وتأهيل إو إعادة تأهيل لغة طبيعية معينّة (أيْ مستويات المعجم والاشتيقاق والتوليد والتركيب ونظام الكتابة)، يبقى لحد الآن منعدما وغيرَ مفكَّر فيه، بما أن "إعلان المبادئ العامة" يظل غاية الغايات في الثقافة السائدة.

تلك المزايا الأخيرة التي يعبِّر "إعلان المبادئ" عن الرغبة في إكسابها للعربية قصد تطويرها وإعادة تأهيلها لتحقيق ذلك الانخراط السوسيو-لغوي من خلال أداء وظائف سوسيو-لغوية كثيرة كانت ثقافةُ تصوّرِ ماهية العربية ووظيفتها قد تخلت عنها لأوجه لغوية أخرى قريبة أو بعيدة، لا يمكن من الناحية العملية إكسابها للغة العربية في غياب سياسة تخطيط لغوي مبني على المعرفة العلمية الميدانية، وذلك قصد تجـسيـر منهجي للعلاقات التكوينية البنيوية و/أو العلاقات التنافسية القائمة حاليا بين اللغة العربية الفصحى من جهة، وبقية اللغات التي تتقاسم معها رقعة الاستعمال السوسيو-لغوي من جهة ثانية.

وإذا كان الدستور، ومن قبله الميثاق الوطني على الأخص، قد أشارا إلى الطريق الذي يتعين من خلاله إقامة ذلك التجسير النفعي بين العربية واللغات الأجنبية، وذلك من خلال التنصيص على ضرورة امتلاك تلك اللغات امتلاكَ كفاية (وليس كفرض عين) باعتبارها أدواتٍ لاكتساب المعرفة الحديثة، وكذا من خلال التنصيص على برنامج فرعي طموح للنقل المنهجي لتلك المعرفة إلى العربية عن طريق الترجمة العالية في مختلف مجالات علوم الطبيعة والذهن والإنسان، فإن سُبُل تجسيـر المسافة بين الوجه الكتابي للعربية ووجهها الدارج على الألسن، أي العربية الدارجة، الذي هوّ الوجه المستعمل في النشاط اليومي المنطوق الحيّ في البيت وفضاءات المدرسة والجامعة والشارع والمرافق والأوراش ومحافل الخطاب السياسي (انظرهــنــا)، سُبُل قد بقيت بدورها في حيّز غيرِ المفكر فيه، وذلك إلى ما قبل حوالي سنتين لا غير. لكن، وبسبب قوة تمكّن ثقافة "إعلان المبادئ" مرة أخرى باعتبار ذلك الإعلان أقصى الغايات، فإن خيار "إعداد الأومليطة مع الحفاظ على البيض سالما" أو "الاحتفاظ بالزُبد وبثمن الزبد" في نفس الوقت، هو الخيار الذي يبدو أن مَن يرفع اليوم شعارَ ذلك التجسير يحاول من خلاله أنه أن يجعل العجلة المربعة تدور وتسير في سلاسة على درب السبيل نحو إقامته.

الواقع أن التصور الماورائي للغة، كماهيةٍ مافوق-بشرية ترتهن قدُراتُ الإنسان الذهنية بها ارتهانا بدل أن يكون الانسان مُمتلِـكا لناصيتها امتلاكا باعتبارها مَـلـَـكة ومِلـْـكية قابلة للترويض والتطوير والتنمية من طرف الإنسان نفسه الذي يمتلكها ويسخرها، تصوّر عامّ يتجلى لدى أهله بأوجه مختلفة، ليس أقلـَّها عدمُ القدرة على الفصل بين اللغة كـبينة تجريدية (صوتية وصرفية وتركيبية ومعجمية) وبين صور ل كلماتها المكتوبة كما تمّ توارثُ أشكالها التي إنما هيّ حصيلة تجربة تهيئةٍ لغوية إنسانية تاريخية تمت في ظل معطيات معرفية وتاريخية معيّنة.

في إطار هذا الوجه الأخير للتصور الماورائي للغة، الذي لا يكون دائما وبالضرورة ذا مرجعية غيبية، تتماهى اللغة مع الصور الإملائية الموروثة لمفرداتها، بل  مع تقاليدها الكاليغرافية كنوع من الهيروغليفيات المقدسة. فقواعدُ كتابة الهمزة في العربية مثلا، وكذا تدوينُ أو عدم تدوين الحركات، وكذا حالات تدوين المدّ الزائد (مثل الواو الزائدة في /أولئك/، أو في /عَمْرو/، أو الألف الزائدة بعد واو الجماعة في /كتبوا/)، وحالات عدم تدوين المدّ الموجود فعلا (مثل الألف الناقصة في /هذا/ و /هذه/، وبعد الهاء في /هؤلاء/ وبعد اللام في /أولئك/، وفي /إله/، أو الواو الناقصة في /داود/)، تصبح كلها، سماتٍ جوهريةً من سمات اللغة العربية الفصحى في إطار ذلك الوجه من أوجه تصور ماهية اللغة. وكل مساس بأي قبيل من تلك الأمثلة، التي هي في الحقيقة مجرد نماذج تنكيتية لإملائية اللغة العربية الفصحى منذ أن وَضع تلك الإملائيةَ نفرٌ من البشر بالإقدام على تبنّي للحرف النبطي بعد إغنائه بـ"الأحرف الستة الروادف" (ث، ذ، ظ، غ، ض، ظ) التي لم يكن لها مقابل في اللغات الكنعانية التي تبنّت أصل الحرف الفينيقي، ثم بعد إضافة "نَـقْطِ الإعجام" (تمييز الحروف بالنقط) و"نَـقْط الإعراب" (إثبات حركات الصرف والإعراب) في القرن الثاني الهجري، مساسٌ هو بمثابة "كسرٍ للبيض" يتعين تجنّبُه والبحث عن طريقة سحرية لإعداد الأومليطة دون المساس بقشرة البيض. تلك التقاليد الإملائية التي عمّرت اليوم ما يناهز ثلاثة عشر قرنا ما يزال كل جيل يستسلم للتخبط في العراقيل التربوية المرتبطة بها ويعتبرها أمرا قَـدَريا (انظر هــنــا؛ بالفرنسية).

 

ويمكن العودة، في نص لاحق، إلى تفصيل القول في مظاهر تأصل ثقافة التعطيل (culture de blocage) التي تُجرّد أي "إعلان للمبادئ" من مبررات وجوده في هذا الباب بالضبط من أبواب تطوير وإعادة تأهيل اللغة العربية بنيوياً أولا، كلغة واضحة محكمة وبسيطة التركيب والكتابة في نفس الوقت، لكي يتأتى بعد ذلك تأهيلها على المستوى الوسوسيو-لغوي وعلى مستوى حمولتها من المضامين.

--------------------

 

رابط نحو مقال مكمل لهذا باللغة الفرنسية:

https://orbinah.blog4ever.com/en-francais-du-rapport-arabe-classique-arabe-marocain

مراجع وثيقة الصلة بالموضوع

المدلاوي، محمد (2001) "نحو تدوين الآداب الشفهية المغربية في إطار تطوير الحرف العربي الموسّع". الأمثال العامية في المغرب، تدوينها وتوظيفها العلمي والبيداغوجي. مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية. سلسلة الندوات. الرباط. ص: 159-211

المدلاوي، محمد (2003، غير منشور) "الحرف العربي التام الموسّع، وتدوين اللغات غير الحامية السامية".عرض ألقي في ندوة:  البنى العارية والإسقاطات الوظيفية؛ الأيام الوطنية السادسة . معهد الأبحاث والدراسات للتعريب – الرباط 26-28 ماي 2003 .

Elmedlaoui, Mohamed (1999) Principes d’orthographe berbère en graphie arabe ou latine. Publications de la Faculté des Lettres et des Sciences Humaines – Oujda.

Elmedlaoui, Mohamed (2004) "D’"une notation usuelle du berbère" à l’"orthographe de l’amazighe" (projet d’une standardisation d’une langue)". Pp. 63-84 in Meftaha Ameur et Abdallah Boumalk (sous la direction de ---) : Standardisation de l’Amazighe. Publications de l’Institut Royal de la Culture Amazighe. Rabat

Elmedlaoui, Mohamed (2004) "Projet  de  développement d’un établissement : Institut d’Etudes et de Recherches pour l’Arabisation : 2004-2008 (fragment extrait d’un ancien dossier de candidature) : https://orbinah.blog4ever.com/gestion-de-la-recherche-sur-les-langues-au-maroc-ex-projet

Elmedlaoui, Mohamed (2013) "La dimension du système d’écriture dans la question d’une langue d’enseignement : https://orbinah.blog4ever.com/en-fran9ais-systeme-d-ecriture-et-langue-d-enseignement



26/04/2015
3 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 343 autres membres