OrBinah

(EN ARAB) Y a-t-il une relation entre taureau et révolution?

Si la graphie arabe ne s'affiche pas correctement, aller  dans  la barre de menu en haut de la page, cliquer sur le bouton AFFICHAGE puis sur CODAGE, puis sur (PLUS, puis sur ARABE(Windows)

هل من علاقة اشتقاقية أو تنجيمية

ما بين الثور والثورة؟

 

 

من أصداء ما عاد من مفردات المعجم العربي ليروج من جديد فجأة في سوق المبادلات اللفظية على الصعيد الإقليمي بعد فقدان للصلاحية دام أربعين سنة التي هي عُمر الرسالات السماوية والأرضية، وردت كلمة "ثورةعشر مرات في نص "بيان" السيد عبد الواحد الراضي الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي وازت به جريدة الحزب، في صفحتها الأولى، نصّ الخطاب الملكي لتاسع مارس 2011 حول مراجعة الدستور. فما هو سرّ هذه الكلمة الفـَيْـنَـقية التي تظهر وتختفي كثعلب محمد زفزاف، والتي استعادت روحها وشرعية لفظها في قاموس حزب القوات الشعبية بعد خمسين سنة من صدور "الاختيار الثوري"؟ هناك احتمالات ثلاثة لا رابع لها. فإما (أ) أننا مقبلون هذه المرة على تعميم الحزب لطبعة ثانية من "الاختيار الثوري" في إطار التعددية الجديدة، وإما (ب) أن الأمر إنما يتعلق بكون بعض الألفاظ، حينما تروج أو يعاد ترويجها، تكون لها قيمةً إبرائية تبادلية كعملة صعبة في ميدان الخطاب السياسي يصعب على السياسي المحترف مقاطعتها كما يصعب على الشيوعية مثلا مقاطعة الدولار الامبريالي باسم المبادئ، وإما (ج) أن مفردات لغة الخطاب الأخلاقي والسياسي خالية من أي مضمون مرجعي ملموس (vide de substance). أعتقد أن الأمر يتعلق بالاحتمال الثاني الذي يفضي في الحقيقة بحكم الاستعمال إلى الثالث؛ وذلك بالنظر إلى الاستدراك الذي ورد بعد عشرة أيام في نفس الجريدة (21مارس 2011) كعنوان بارز في أعلى الصفحة الأولى مُسندا إلى نفس الكاتب الأول لحزب القوات الشعبية ومدعما بصورته: "الراضي: في المغرب نعيش منطق الإصلاحات وليس منطق الثورة" ومحيلا على تلخيص بالصفحة الثالثة لكلمة الكاتب الأول أمام المجلس الوطني للحزب، وردت فيه هذه المرة كلمة "إصلاحعشر مرات من جديد بدل كلمة "ثورة".

 

"الثورة" في العربية لفظ مؤنث. وإذا أخذناه وقلـّـبنا تصاريفه على ظاهر لفظه، راودَنا فضولُ اعتبارِه صيغة مؤنثة للفظ الثور، بكل ما يرمز إليه الحيوان من عنف "ثوري" وقوة بركانية متفجرة تصوِّرها مشاهدُ الكوريدا رمزيا من خلال طباق التضاد القائم بين لوني الحمرة والسواد، وكما صورها الروائي الصفريوي الأصل، والمولد والهوى، جبرائيل بن سمحون (גבריאל בן שמחון) في قصته "العائد"، كتجسيد رمزيلثورة الغضب والنقمة الدفينين عبر السنين في أعماق الجزار الصفريوي اليهودي "عيوش" الذي كان الصفريوِيُون يتغنون في أعراسهم بأغنية ("يا مسعودة يا خضرت لعينين") الموضوعة كلماتها في شأن زوجته الجسناء (مسعودة) المغبوطة من طرف ابن باشا المدينة؛ تلك الأغننية التي كان ذلك الفتى الغرّ المدلل "المفشّش" والمعتدّ بحسبه ونسبه اقتداء باعتاد أبيه الباشا في باب استباحة العرض والمتاع، لا يتردد في التغني بها يوميا على أنغام عوده تحت نافذة تلك الحسناء اليهودية، والتي أصبحت نشيد الأناشيد في حفلات أبناء وبنات الملـّـتيـن من عرب وعجم في حاضرة "حب الملوك"؛ وذلك دون أن يستطيع الجزار المغلوب على أمره أن ينبس ببنت شفة باسم الكرامة كما يحق لكل حرّ في الجاهلية والإسلام أن يفعل حينما يتجرأ على كرامته متجرئ من القوم، فاكتفى، في أطار شعوره الدائم بالـ"حكَـرة" المؤسسية، بالدأب على تفريغ نقمته بالانهماك على فرم كتـل اللحم والعظم فرما على ظهر الوضم بين سحب دخان حشيش "السبسي" الذي لا يفارقه؛ وذلك إلى أن أبق منه ثورٌ من الثيران ذات يوم من حظيرة انتظار المجزرة، فانطلق ذلك الحيوان مزمجرا يبث الرعب والموت في أزقة مدينة صفرو "زنكَـة زنكَـة" إلى أن صادف في طريقه ابن الباشا الأنيق وهو يغنى أغنيته التقليدية كعادته تحت الشباك على إيقاعِ من بطيءِ "قدّام رمل الماية"، فزف إليه ضربة قرنٍ مفاجئة كانت ضربة القرن، فطوحت بأشلائه إلى هامش الآخرة، وبعوده إلى شرفة الحسناء مسعودة؛ فكانت ضربةُ القرن تلك، في نفس الوقت، نهايةَ عيش عيوش ومسعودة وسائر ذويهما في أرض أسلافهم، ونهاية ترديد أغنية ("يا مسعودة يا خضرت لعينين") في مدينة صفرو التي استسلمت فيها الحياة بعد ذلك لنزوات عناصر الطبيعة في ترقب دائم للحظة المفاجئة التي قد يداهم فيها سيلُ النهر العتّـي ليلا أو نهارا أزقة صفرو "زنكَة زنكَة" مرة أخرى.

 

وسواء أكانت بين الثور و الثورة علاقة اشتقاق، كتلك القائمة بين الدور والدورة، أو الهرّ والهرّة، أو المرء والمرأة، أم كان الأمر مجرد اتفاق طريف لا تخلو علاقته الاشتقاقية من دلالة ثقافية في باب علاقة اللغة بالذهنيات، فإن كلا من لفظي الثور والثورة مقترن، من حيث  مفهومه، بالعنف والغضب والهيجان والتفجير الكارثي للقوة الخام. فــفعل (ثار) مقترن بالبراكين والزلازل والتسوناميات، والنقع، والغبار، والإشعاع، وعصف العواصف والعواطف، وكل مظاهر العناصر المتفجرة والمدمرة. وقد يبادر تخرّصُ المتخرصين، من جفريين وقباليين ومنجّمين، إلى القول بأن لا غرو في ذلك الارتباط الاشتقاقي بالنظر إلى ما عرفه ربيع سنة 2011 على الخصوص في أفق الذكرى العاشرة لتخريب الطير الأبابيل لبرجي "نيو-بابل" من أحداث انفكاك عناصر الطبيعية، من زلازل وتسوناميات، ومن تحييـن لسان الناس لمادة "الثاء والواو والراء" في القاموس، سواء تحققت تلك المادة بلفظ "ثور" أم بلفظ "ثورة" أو "ثوران" على وزن وعلى غرار غليان. ذلك أن موسم سيادة برج الثور (Buffle, Taureau) على كوكب الأرض حسب المنجّمين يتراوح في التقويمين الصيني والغريغوري ما بين أشهر يناير وفبراير ومارس، وأن عنصر الثور هو التراب الذي يتكامل تفاعليا مع عنصر التيس (Bélier) الممهد لبرج الثور في الفلك، ألا وهو عنصر النار التي وقودها الناس والحجارة.

 

هذه المظاهر النارية-الترابية، الدائرة حول ثار/يثور بالذات، هي المفاهيم المتكاملة التي ارتبطت على سبيل الحصر، في ذهنيات الغالب والمغلوب والقاطع والمقطوع، بآلية أي تجديد ممكن لهياكل تدبير الشأن العام في المدينة لدى العقليات التي لا تتصور المدينة إلا على  شكل مجرد "دولةمشتـق مفهومُها من (دال/يدول) و(زال/يزول) حسب الخطاطة الخلدونية، أي مجرد حلبة يتخاتل فيها القاطع والمقطوع، والغالب والمغلوب،ويصبح التاريخ فيها مجرد تعاقـُب مكرور يحـُل فيه  الغالب محل المغلوب، والقاطع محل المقطوع، وينتهي فيها بالضرورة مشوارُ كل قاطع إلى مصير المقطوع، ومصير كل غالب إلى مصير المغلوب، وبذلك يتم تصور التاريخ كمجرد "تناوب تصادمي" بين دوري القاطع والمقطوع، على شكل تصريف خلدوني مستمر لفعلي (دال/يدول) و (زال/يزول) اللذين يشكلان مصدر اشتقاق مفهوم "الدولة" في خطاطة فلسفة التاريخ لتلك العقليات:

 

هي الأمور، كما شاهـدْـتـَها، دولٌ  *  مَن سرّه زمن ساءته أزمان.

 

وبما أنه بضدها تـُعرف الأشياءُ، فلننظر في شأن اشتقاق كلمة Révolution عند قوم الفرنصيص مثلا الذين اعتـُبرت ثورتهم ذات أبعاد تاريخية كونية. إنها كلمة مركبة في لغتهم من كلمة Evolution، التي لها مفهوم هندسي في لغتهم يحيل على كل حركة تطوُّرٍ دائري لنقطة معينة حول مركز فعلي أو تقديري. وتتصدر تلك الكلمةَ زائدةٌ صرفية هي /ré-/،الدالة صرفيا في تلك اللغة على العَـود والعِيد والمعاودة والاستئناف الدوري بعد اكتمال الطور؛ فيكون بذلك معنى الكلمة المشتقة، Révolution، وهو معنى فلكي وهندسي في أصله، هو استكمال جـرم من الأجرام، أو نقطة تقديرية، لدورة حول مركز فعلي أو تقديري، وعودةُ ذلك الجـرم أو تلك النقطة إلى المنطلق، الذي يصبح بداية دورية لـطورجديد من أطوار التطــور، يحتوي في دورية حركيته الجديدة على نطاق الطور الأولويتضمنه بالتجاوز، وذلك في متوالية طردية، يَرسمُ سابقـُها مشروعَ خطاطة لاحقِها ويتضمنه بالقوة، بينما يستوعب لاحقـُها سابقـَها ويتضمنه بالفعل متجاوزا إياه. إنه المفهوم الذي استـُعير، بالنقل الدلالي، من الفضاء الهندسي الفلكي، إلى فضاء حركية مجتمعالمدينة؛ فيقال عن المدينة من المدائن التي تكون أنظمةُ عمرانها المؤسساتي قد استوفت دورتـَها التطورية واستـنفـدت إمكانيات المطابقة والتكامل اللازمين بين الواقع الفعلي والفكر الأخلاقي المؤطر له، أو ما يمسى بـ"الأيديولوجيا"، بأن تلك المدينة قد استوفتدورتها التاريخية، فدخلت بحكم منطق تلك الحركة التاريخية، لا بمقتضى خبطة مزاجية لإرادة من الإرادات الحماسية أو حتى الغاضبة، في مرحلة طور جديد يتضمن حصائل الأطوار القديمة، لكنه يتجاوزها في نفس الوقت من خلال إعادة صياغة الأخلاق المؤطرة للمدينة بما يجعلها في وفاق مع أفق الواقع التاريخي الملموس الجديد.

 

ففي مثل هذه اللحظة من لحظات تطور الحركة العقلية والاجتماعية، يقال عنالمدينة المعينة بأنها قد أحدثت ما يسمى "الريبـوليسيـون" Ré-volution؛ ومن أراد أن يسمي ذلك "ثورة" فإن طبيعة أسُس العلاقة بين الدال والمدلول في اللغة لا يمنعه؛ إذ العبرة بتحديد المفاهيم، لا بتدبيج الألفاظ. معنى هذا أن هذا المفهوم الأخير لحركية التاريخ إفضاءٌ عقلاني لتطور الطور، وليس مجرد انفكاك وانفلات للأهواء على شكل مفاجئة بركانبة أو زمجرةثورية (نسبة إلى الثور)، أو خبطة مزاجية، أو عصف عاطفة، أو غضبة كرامة في حلبة القاطع والمقطوع سواء بُرمِج يوم الغضب ليوم جمعة أم ليوم أحد. هذا ما تقصده بعض الأدبيات الثورية بقولها: "لا ثورة بدون فكر ثوري". وسواءٌ أصادف الفكرُ من أوجه الواقع التاريخي الملموس القائم ما يجعل منه فكرا ثوريا لا يتم التمكن من تنزيله على أرض الواقع إلا بقطيعة رجةٍ اجتماعية، أم  صادف من الواقع ما يجعل منه مجرد تطوير استمراري لنفسه في انسجام مع مستجدات تطور ذلك الواقع، فليس المقصود بــ"الفكر" هنا كلَّ ما يفيض في الجَنان من فقاقيع الهذيان، فيتحرك له القلم واللسان. فما أنتجه أمثال موسى مانديلسون، ومونتيسكيو، وفولتير، وجوته، ونيتشه وتولستوي، وغيرهم، من فكـر حول القيم والأخلاق (المدينة، الدين والدولة، مصادر الشرعية، تدبير السلط، مكانة الفرد، الحرية، المواطنة) باعتبارها قيما موجَـبة منطلقة من مبادئ عقلية تأسيسية تنبثق مناستبطان الإنسان لروح الكونية، أمور غيرُ ما "تـنـتجه" جموع جيل يجد اليوم مثلا بأنبُخـل وزير الثقافة في باب الدعوات والإتاوات والسفرات والتوظيفات الشبحية قد أوصد عن المثقفين أبواب الإبداع الفني والفكري، وحال بينهم وبين مزاولة مهامهم في ميادين الفكر والفلسفة والآداب التي يحسُبون أنفسهم عليها، فيرابطون أمام مقر وزارة الوزير، ولسانُ حالهم يردد لازمة الوقت والساعة: "تنسيقية التفكيرْ، تريـــــدْ، إسقاطَ الوزير". وما أنتج الأولون من فكر القيم والأخلاق شيء مخالف كذلك جوهريا لما أنتجته أجيال، وما تزال، مما هو مجرد خطابيات رد فعل سلبي لـهوية سالبة لا تتحدد ماهيتها إلا بالقياس إلى هوية الآخر كما يتم تصورها لها حسب الحقب (دار الحرب، الاستعمار، الامبريالية، الشيوعية، الصهيونية، الغرب)، بما في ذلك مثلا أمثالُ جوهرة "الكتاب الأخضر على منهاج الزعامة والنبوّة".

 

وبناء على هذا المفهوم العقلي للثورة، في علاقتها بالـفكر الموجب، فإنه إذا ما كان قد حدثنا التاريخ عن ما لا يُحصى عددا من فتن الانتفاضات والهبّات والقومات (révoltes, rebellions, soulèvements, séditions, putchs) في هذه الساحة أو تلك من ساحاتنا المتعددة الأوصاف حسب هبوب رياح الانتمائيات الإقصائية (ساحة عربية، شعبية، قومية، إسلامية، أمازيغية، الخ.)، بدءا بـقَـومات عُشّاق الموت والحشيش والأفيون من إسماعيلية فارس والشام، أو مدمني "القاط" من قرامطة أطراف الجزيرة من بني هلال ومعقِـل وسُـليم ممن انتهى بهم المطاف، بتسهيل من الشيعة الفاطميين وبترحيب وتوظيف من أصوليّي الموحّـدين، إلى اجتياح ربوع المغرب حيث اكتسبوا تدريجيا نصيبا من ثقافة إرادة الحياة بدل ثقافة عشق الموت والقاط، وليس انتهاء بمختلف أوجه "سايـبـة الديموقراطية المباشرة" على منهاج "الأصالة المغربية" نفسها، فإن التاريخ لم يسجل، مع ذلك، إلا عددا محصورا من أوجه الثورة بمفهومها العقلاني (Révolution) باعتبارها حركة فكرية اجتماعية موجَبة في اتجاه تطوير المدينة، أقول لم يسجل إلا عددا محصورا مما اتخذ فيه تنزيلُ الفكر على أرض الواقع طابع الرجات العنيفة، لأسباب تاريخية. فهناك الثورتان، الأمريكية والفرنسية، اللتان اكتملتا، وما يزال لهما رصيد خلاق من موارد التطور بقدر ما أدركتاه من أبعاد الفكر والقيم الكونية، وهناك الثورة الروسية والصينية اللتان لم تكتملا بعد، لا بعد ساحة "تيان إين منه" ولا بعد سقوط "جدار برلين". أما قَـومة ملالي أو موالي بلاد فارس في الربع الأخير من القرن العشرين، فلا تختلف عما سبقها من قومات اليمن وعمان والشام عبر التاريخ الوسيط؛ وذلك من حيث أن تلك القومة مجرد انفجار وثوران "ثوري" سالب المضمون لـمكبوس ومكبوت عقود من الغضب ضد قهر نظام مخزني دستورُه جهاز "السافاك"، انفجار وثوران بدون سَبـْق أيّ تراكم لفكر موجب يحرك عجلة التاريخ نحو الأمام في الاتجاه الذي كانت حركة مُصدّق الإرادية مثلا قد حاولت التحرك فيه في منتصف القرن. أما الإنجليز فقد أنجزوا تحولهم الاجتماعي السياسي النوعي بناء على ما راكمه أمثال طوماس هوبز وجون لوك من فكر موجب، تم تنزيله على أرض الواقع بأسلوب استمراري سلس بفضل التطور المطرد لاقتصادهم الرائد والخلاق الذي كان قد قطع مبكرا مع مؤسسة امتيازات الريع، وتأسس على إنتاج القيم المضافة على مستوى الخيرات والخدمات والوظائف؛ فلم يمروا لا من "الباستيل" ولا من "ميدان التحرير" ولا من "ساحة التغيير" ولا من "مولاي بوعزة"؛ ولم يحتاجوا حتى إلى تحرير وثيقة للدستور، لأن الفكر الذي أنتجوه فأُشرِبوه كما أشرب بنو إسرائيل العجل في سيناء، قد جعل قيمَ أخلاقِ المدينة محصّلةً في الصدور بفضل مجهود الذات في اكتساب حرية التفكير والضمير، قبل المطالبة الميدانية بـالحق في التعبير وفق قيم تلك الأخلاق والمعايير.

 

فهناك إذن طرُق متعددة، كما يقال، تؤدي كلها إلى روما، تلك الحاضرة الرومولوسية الأسطورية التي ارتأى "حنا بعل" القرطاجني (وليس القذافي) ذات مرة أن يأتيها بجيشه وفيَـلته من الشمال عبر أوعار جبال البرانس الإيبيرية غربا ثم جبال الألب، بدل مجرد العبور إليها عبر جزيرة "لامبيدوسا" القريبة التي تسبح نحوها اليومَ قواربُ شبابِ أجيال خَـلـَفِـه من "الحراكَـين" الفُرادى، فرارا من خنق وقهر أنظمة بوليس الطغمة أو العشيرة أو الطائفة، ولجوءا إلى فضاءات انبثقت في فكرها وتفتـقـت ماهيةُ الفرد الحر والمسؤول، وتفتحت فيها شخصيته في إطار المواطنة، التي تعلو بحقوقها وواجباتها ولا يُعلى عليها لا باسم إثنية من الإثنيات، ولا سلالة من السلالات، ولا أي حقيقة مطلقة يدعي البعضُ حيازتها من الأرض أو السماء في باب ما تُخفي الصدور. فالتاريخ وحده هو من يحدد، بتقلب ظرفياته ومواسمه، أيّ الفصول أسنحُ، وأي الطرق أسلكُ إلى روما، وأيها ينتهي بمثل ما انتهت إليه وقعة زاما بالنسبة لـ"حنا بعل" غير القذافي في نهاية مغامرته نحو روما التي تؤدي إلها كل الطرق.

 

هذه خواطر عن الثورة، في علاقتها بالثور، من حيث العلاقات المعجمية والصرفية للفظها من جهة، ومن حيث علاقة مفهومها بمفاهيم الدولة وأوجه الدولة، كـ"المملكة" و"الجمهورية"، ولكن ليس من وجهة تَصوُّر الرفيق ليـنين الذي كان قد بشر في نهاية بشارة كتابه "الدولة والثورة" بزوال الدولة بعد تفجير الثورة التي لا تبقي ولا تدر، وذلك بسبب ما كان يـُـنتظر بحكم "الحتمية التاريخية" وبناء على "التحليل الملموس للواقع الملموس" حسب منهج "المادية الجدلية" من اختفاء مبررات وجود تلك المؤسسة التي هي قهرية في جوهرها حسب تصور الرفيق لينين، وذلك بعد إقامة "ثورة البروليتاريا" لمجتمعمن "طابق أرضي" واحد ووحيد، هو "المجتمع اللاطبقي" في مدائن مهدوية فاضلة (Cités messianiques vertueuses).

 

هكذا يتضح أو يرجح على الأقل، من خلال هذا النوع الطريف من أنواع الرياضة اللغوية والتخييلية الحرة، بأن مفهوم Révolution مفهوم متولد عن فلسفة للتاريخ مغايرة لتصور المجتمع والتاريخ سواء عند من لا يتصور السياسة إلا باعتبارها مشتقة من ساسَ يسوسُ الدوابَّ سياسة، أي روضها ترويضا، أم عند من لا يتصور التغيير إلا كحركة "ثورية" (زنكَة زنكَة) بالضرورة، بما في وصف "ثورية" من جناس وتــورية بلاغية متمثلة في الالتباس القائم ما بين حركية الثورة بمفهوم "الريبوليسيون"، وهي لا تتم كل سنتين أو ثلاث، ولا تبرمج لا لسَنة كبيسة، ولا لسنة سداسية الرقم (2006 مثلا) ولا للذكرى العاشرة لتخريب برجي "نيـو-بابل"، وبين حركة الثور الذي هو حيوان أقرن من الأنعام من ذوات الأظلاف، هذه الحركة الحيوانية التي تقترن في الأذهان بالطاقات الخام التي تفجرها جموع الجمهور والجماهير الثورية في الساحات والأحياء (زنكَة زنكَة) لإقامةالجمهوريات أو الجماهريات  الشعبية العـظمى على أساس "موازنة" ظرفية معينة لتوزيع جزافي للريع بين العشائر والقبائل في إطار نظام يشكل فيه البوليس أو حرس الثورة ضمير الفرد والجماعة، وذلك إلى يختل توازن التوزيع بشكل كارثي بفعل المنطق الداخلي للجزافية، أو تنضب موارد الريع نضوبا، فتخرج شياطين ومَرَدَة "البسوس" و"داحس والغبراء" من قماقم العشائر، وكل منها ينشد مُعلقة قبيلته من معشر الجن:

 

ونحن أناس لا توسط بيننا      لنا الصدر دون العالمين أو القبر

 



18/03/2011
0 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 343 autres membres